الأربعاء، 25 يناير 2012

قصيدة " فاروق جويدة " ... عتاب من الشهداء

"عتاب من الشهداء"
_________________________________________________



هانتْ على الأهلِ الكرامِ دمانـا
وتفرَّقت بين الرفاقِ خُـطــانــــــــــا
عُدنا إلى الميدان نسأل حلمنــــا
بكتْ الربوعُ وحزنـهــا أبكــانــــــــا
أينَ القلوبُ تضىءُ فى أرجائــهِ
وتزفُّ شعبًا فى الصمــودِ تفانـى؟‏!‏
أينَ الرفاقُ وأينَ صيحاتٌ بدت
للكون بعثًـا عاصفــــًا أحيانـــــًا؟‏!‏
أينَ الشبابُ وقدْ توحّد نبضهـــــم
وتجمّعوا فى بأسهــم إخـوانــــــا؟!
أين الحناجرُ كيف قامت صرخةً
كمْ أيقَظَت بصهيلها الفـُرســانـــا؟!
وجهُ الشهيدِ وقد تناثـرَ فى المدى
وغدا نجومًا فى دُجى دنيـــانـــــــــا
جسدٌ يحلِّق فى الأيادى سابحــا
فى حُضنٍ أمٍّ أشبعتـه حنـانــــــــا
هانتْ على الأهلِ الكـــرامِ دمــانـــــا


نامتْ على الدربِ الحزينِ جوانحٌ
وتجمّدَت خلف الرؤى أجفانــــــــا
والناسُ تسألُ: ما الذى يَبقى لنـــــا
بعد الشهادةِ موطنًـا ومكــــانـــــــا؟
يومًا غرسنا الحِلم فى أعماقنــــــا
حتى غدا فى يأسنا بُــــركانــــــا
أن نُطلِق الشمسَ السجينــــةَ بيننا
ليطلَّ صبحٌ من خريفِ صبانـــــــــا
فى ساحةِ الميـــدانِ كُنّا أمــــــــةً
وهبت رحيقَ شبابها قـربــــانــــــــا
أجسادُنا كانت تلـــوذ ببعضهــــا
حزن الترابِ يعانـــــقُ الأكفــانــــــا
يتعانقُ الدمَ الجسورِ على الثرى
كُنّا نراه كنيســــــــــةً وأذانــــــــــا
فى ساحةِ الميدانِ صلـينا معـــــا
قمنا حشودًا نرجــــــــمُ الشيطانـــــا
وتطوفُ فى الميدانِ أرواحٌ بــــدت
فوق البيــــوتِ أزاهرا وجِـنــانــــــــا
الكونُ صلَّى.. والربوع تطهـــــــــرت
من رجس عهدٍ مظـلــمٍ أعمانـــــــا
هانتْ على الأهــــــل الكرام دمانـــــــــا


هل تذكرونَ شبابنــــــــــا وصبانـــــا
والأرضُ تحضنُ بالدموعِ دمانــــا؟!
ونطوف فى صخب الشوارع لا نرى
غير الرصاص على المدى يلقانـــا
وقذائف القناص تطفئ أعينـــــــــــا
فـيتيهُ بين جنــــودهِ نشـــــــــوانـــــا
لم يرحم العينَ السجينةَ فى الأســى
رسمَ النهايةَ خســـة وهوانـــــــــا
يلقى علينا النار وهى خجولــــــــة
والنارُ ترحم بعضـهـــا أحيانــــــــــا
كُنّا نرى أن الوفاءَ ضريبـــــــــــةُ
حق لمن وهـــبَ الحيـــاةَ وعانـــــى
عُدنا إلى الميدان نســـأل: ما بـــــه؟
صرخَ الحزينُ وبؤســـــــه أدمانـــــــا
حين انتفضنا فى الشوارعِ لم يكن
سوقُ الغنائمِ مطمعـــــــا أغرانــــــــا
هانتْ على الأهلِ الكرامِ دمــانــــــــــا


أتُرى نسيتم دمعنا ودمـــــــــانــــــا
عرس تبدل بيننـــــــا أحزانــــــــــــــا
ما عادت الأيدى تصافحُ بعضهــــا
حتى خـطانا.. لم تعــدْ كخطانـــــــــا
كيفَ الدماءُ تمردت فى مهدهــــــا
وبكلِ قلبٍ مزَّقــت شريانـــــــــــــــا؟
صِرنا أمامَ الناسِ خدعة صبيــةٍ
هدموا البلاد.. وخـرَّبــوا الأوطانـــا
هانتْ على الأهلِ الكرامِ دمانـــــا


عادَ الزمانُ الوغدُ يعبثُ خلســةً
ويدور حـول دمائنــــــــا ظمآنــــــــــــا
وطنٌ يساومنا.. وعهدٌ فاجــــــــرٌ
وفسادُ طاغيةٍ.. وشعــــبٌ عــانــــــــى
وتسابقت للثأرِ عصبةُ قاتـــــلٍ
حشدوا الفلول.. وحاصروا الفرسانــا
فرعونُ فى صخب المزاد يبيعنا
ويطلُّ خلــــــف جنــــــــودهِ سكرانــــــا
وعصابةُ التدليسِ ترتعُ حولَــهُ
وتـشيـّـــــدُ من أشلائنا التّيجـــــــانـــــــا
فإذا انتشى الفرعونُ قام رجالُـه
سحلوا النساء.. وضاجعوا الشيطـانـــا
ركْـبُ العبيدِ الساجدين بعرشــهِ
ألغَوا الأذان.. وحاصــــــــروا القـــرآنا
وعلى بقايا النهرِ جاعت أمــــةٌ
كم أطعمـــــــــتْ من خيرهـــــــا بلدانــــا
نهبوا ثمار الأرضِ.. باعوا سرَّها
الذئبُ يعوى.. واللصوص حزانــــــــــى
تتنكّرون لمن أضاءوا ليلـَـكـــــــم
وتبايعون الإفك والبُهتـــــــــانــــا!
من شردوا وطنـًا وباعوا أمــــــــةً
وتواطأوا فى غيّهـــم أزمانــــــــا
هانتْ على الأهلِ الكرامِ دمانا


هل تذكرونَ دموعنا ودمـــــــانــــــــا
الركبُ ضلَّ.. فمن يُعيدُ خُـطانا؟!
الموتُ لمْ يهزم جســــارةَ عمرنـــــــــا
لكن ظُلم الأهـــــــلِ قدْ أشقانــــــا
حتى الأماكــن هاجـــرتْ من حلمهـــا
وتبدلــت أشواقــهـــــا هجرانــــــا
فى كلِّ ذكرى سوف نرفعُ رأسنــــــا
لنرى المفــارقَ كلَّهــا ميدانــــــــا
فإذا غفا يومًا وشـــــــاخ شبابــُـــــــهُ
أو عادَ يشكو العجزَ والنسيـانـــــا
وأفاقَ فى صخبِ الجموعِ وقدْ رأى
فرعون آخــر يجمــــــــــع الكُهّـــــــانـا
سيطلُّ من صمت الحناجر يمتطـــى
زمن الإباء.. ويعلـــــنُ العصيـــانـــــــا
ويعودُ يحكى عن شبابٍ ثائــــــــرٍ
وهبَ الحيـــاةَ لشعبــنـــــــــا وتفـانـــى
كانوا رجالاً فى الخَطوب وأنجمًا
كالبرقِ لاحتْ فى ظلامِ سمــانا
كانوا دعاءَ الأمِّ.. فرحة عيدهــــــا
ونقاءَ أرضً أنجبـت فـرسانــــــــــــــا
فإذا خَـبتْ فى ليلكم ذكـرانـــــــــــا
وغدا الشبابُ محاصرا.. ومُهانــــــــا
لا تسألوا كيف الرفاق تفرَّقــــــوا
ولتسألوا: من فى الضمائر خــــــــانا؟
عودوا إلى الميدان.. قوموا فتِّشوا
عن عاشقٍ فى حُبه كـَــمْ عانـــــــــــى
هو لم يكن جيلاً طريداً ضائعـــاً
بَلْ كانَ شمسًا أيْقَظَـــــــــــتْ أوطانـــــــــــــا
مَنْ قامَ يومًا يرفضُ الطُغيــــانــا
لا.. لن يكـــونَ منافقًــــــا وجبـــــانـــا

_________________________

الشاعر الكبير فاروق جويدة




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق