الاثنين، 16 مايو 2011

التنقيب عن جذور الفتنة

للأسف الثورة المصرية تمر بمنعطف خطير يهدد كل الإنجازات التى تحققت و التى مازلنا نسعى لتحقيقها ، فإذا إستمرت حالة الفوضى التى تعم المجتمع المصرى بعد أن تقوضت هيبة و سلطة الدولة فى الشارع ، و تعرضت الشرطة لإنتكاسة قوية ، ستكون النهاية الحتمية لذلك تحلل الدولة المصرية " لا قدر الله " و هذا ما لا يريده أحد فى مصر ، فحين ثار الشعب المصرى كانت مطالبه تتلخص فى إسقاط النظام " نظام مبارك " و ليس إسقاط الدولة المصرية...
قد يقول البعض أن الفوضى الأمنية شئ متوقع و قد حدث فى كل الثورات على مر التاريخ ، و لكننى أعتقد أن مصر بمركزيتها لا تتحمل الفوضى و الفتنة الطائفية لفترة طويلة .




إن الفتنة الطائفية هى أكبر خطر حالى على الثورة و الدولة ، و هى الثغرة التى يمكن أن تهاجمنا من خلالها عصابة الثورة المضادة من أجل إجهاض التورة الشعبية للحفاظ على مكتسباتها التى حصلت عليها فى ظل النظام السابق ، و هذا ما أظن أنه يحدث حاليا .
إن الأحداث المؤسفة التى حدثت فى أطفيح و المنيا و المقطم و قنا ثم مؤخرا إمبابة ، قد هزت بشدة التلاحم الذى قد ظهر فى كل ميادين الثورة بين عنصرى الأمة ، و أعادتنا للحالة التى كانت عليها مصر بعد تفجير كنيسة القديسين بالأسكندرية و قبل إندلاع الثورة .
قد يكون للمؤامرات دور فيما يحدث من جرائم لها صبغة طائفية و لكننا يجب أن نعترف أن هناك العديد من المسببات الأخرى للفتنة الطافحة على السطح فى الفترة الحالية ، فالتعصب أو العنف الدينى موجود من قبل الثورة و له منابعه التى تغذيه بإستمرار ، و من السذاجة و تبسيط الأمور أن نظن أنه من الممكن القضاء على الإحتقان الطائفى عن طريق إتباع سياسة " تبويس اللحى " التى دأب النظام السابق على نهجها ، فلا مفر من المواجهة و تسليط الضوء على التقيحات التى أصابت المجتمع و دفعته لما نحن فيه الآن .


أسباب التعصب و الإحتقان الطائفى قبل الثورة

خلال العقود الماضية تسببت العديد من المشكلات بزيادة حجم الإحتقان الطائفى و دفعت قطاعات من الشعب الى التعصب الذى يعد غريبا على المصريين ، فعلى مر العصور كان المصريون أبعد ما يكونوا عن التعصب الدينى بإستثناء بعض الفترات المظلمة فى التاريخ المصرى .
إن من ينظر بتعمق فى أحوال البلاد خلال العقود الفائتة سيجد أن التعصب قد وجد تربة خصبة من الفقر و البطالة و الجهل و ضعف التعليم و أزمة الخطاب الدينى الذى لجأ الى التفسير اللاعقلانى للدين ، كل تلك العوامل و غيرها جعلت المناخ العام فى مصر مؤهلا لتفشى داء التعصب ، و قد لازم ذلك تراجع سيادة القانون و تراخى الدولة .
إن هناك العديد من الأسباب التى تجعل التعصب يرتبط إلى حد كبير بالفقر ، فالشرائح الإجتماعية الدنيا من الطبقة المتوسطة لا تتمتع بالرضا عن النفس الذى تتمتع به الطبقات الجالسة على قمة الهرم الإجتماعى و الشرائح العليا من الطبقة المتوسطة ، و لذلك فهى تشعر بسخط شديد على المجتمع و على نفسها فى نفس الوقت لعجزها عن اللحاق بمن لا تعتبرهم أفضل منها و تفزع أشد الفزع من إحتمال سقوطها إلى مستويات دنيا تطمح دائما إلى تمييز نفسها عنها ، و أعتقد أن هذا الإهتزاز العميق للثقة بالنفس و الضعف الشديد الذى أصاب إحساس المرء بأنه ذو قيمة و الذعر من فقدان أى إعتبار فى نظر الآخرين كما فقدوه فى نظر أنفسهم ، لهذا تجد من يتعصب لطائفته و يهاجم الطائفة الأخرى فى محاولة منه لإكتساب مكانة أو إمتياز على حساب الآخرين يعوض به النقص الذى يشعر به ، و أعتقد أن ذلك قد يكون السبب الداخلى الأساسى وراء التعصب الدينى أو ما يسمى فى مصر بالفتنة الطائقية ، بالإضافة طبعا لبعض العوامل الأخرى .
و هناك أيضا تراجع مكانة الأزهر ، فقد ساعد ذلك على أن تصبح الساحة خالية أمام بعض التيارات التى تتعاطى بخطاب دينى يتبنى التفسير اللاعقلانى للدين و الذى يعطى أهمية كبيرة لما يخص المظهر و يهمل الجوهر و المقاصد من الشريعة الإسلامية .
و قد رافق هذا التراجع للأزهر سعى و حرص الكنيسة على القيام بدور الممثل السياسى للأقباط مما أدى الى تغييب قيم المواطنة ، و قد سار النظام السابق على نهج الحلول التسكينية المؤقتة التى من شانها حلحلة المشكلات على المدى القصير و تراكم أسباب و تبعات المشكلات على المدى الطويل ، و قد كان تجسد نموذج الدولة الرخوة فى مصر يدفع دائما فى إتجاه العمل بالحلول الإسترضائية للمشكلات  و الأزمات ذات الصبغة الطائفية ، فيما يمكن تشبيهه بالمجالس العرفية التى تغيب قيم دولة القانون لصالح القيم الفئوية و الطائفية و توازنات الأغلبية و الأقلية .




كما أعتقد أن العنف الممنهج الذى استخدمته الأنظمة المتتالية مع بعض الجماعات الإسلامية المناوئة لها ، قد تسبب فى ازدياد و تعمق الفكر المتطرف لتلك الجماعات .


و من المفارقة أن النظام السابق حرص على الإستفادة من تكريس الحالة الطائفية ، فمن ناحية حاول الظهور بمظهر الحامى للمصريين  الأقباط و أن لولاه لفتك المتطرفون الإسلاميون بهم ، و من ناحية أخرى لم يتوانى عن مغازلة الجماعات الإسلامية بل و عقد الصفقات معها فى بعض المراحل التاريخية ، كما أنه أهمل الكثير من المطالب المشروعة و الحقوق المهضومة للأقباط .




تلك هى كانت الأوضاع الطائفية فى مصر قبل الثورة ، و يمكن القول أن هناك العديد من التغيرات التى قد طرأت على البلاد و كان لها إنعكاس على حالة الإحتقان الطائفى التى طفت على السطح فى الفترة الماضية ، فمصر قبل الخامس و العشرين من يناير ليست كمصر بعد الخامس و العشرين من يناير .


العوامل التى طرأت بعد الثورة


كان إندلاع الثورة فى مصر متوقع و مفاجئ فى نفس الوقت ، فحين كانت كل الشواهد و المقدمات تشير و تؤكد نضوج حركة إحتجاجية واسعة الإنتشار نتيجة لعموم الغضب فى بر مصر ، لم يكن أحد يعلم أو يتوقع ؛ كيف ستواجه جموع الغاضبين سلطة النظام ؟؟؟ و ماذا سينتج عن تلك المواجهة ؟؟؟ و كيف سيتعامل النظام مع ذلك ؟؟؟ و الأهم ؛ من سيكون المحرك و رأس الحربة فى هذا الحدث الجلل ؟؟؟




سيكتب التاريخ أن الثورة أخرجت أفضل ما فى الشعب المصرى ، فلم يشهد المصريون منذ زمن ؛ ذلك التلاحم و تلك الروح الوطنية الوثابة التى تجسدت فى ميدان التحرير الذى تحول بمرور الوقت الى رمز و قائد لكل ميادين الثورة التى شهدت التظاهرات و الإعتصامات ، و فى ميدان التحرير رأينا التلاحم و الإنصهار بين المسلمين و الأقباط فى أوضح صوره كما لم نشهده من قبل ، و على الرغم من أن المؤسسة الدينية الرسمية سواء كانت الإسلامية أو القبطية " الأزهر و الكنيسة " دأبت على تأييد النظام ، إلا أن بعض رجال الدين - الإسلامى و المسيحى - تواجدوا فى ميدان التحرير مطالبين بالتوحد فى وجه النظام الفاسد و أعوانه .
و بالفعل إنتشرت تلك الروح الطيبة فى كل أرجاء البلاد و نسى الجميع الحالة الطائفية التى كانت عليها مصر بعد تفجير كنيسة القديسين بالأسكندرية ، و لم نشهد أى حادثة طائفية خلال تلك الفترة لدرجة أننا تابعنا كيف كان بعض الشباب المصرى المسلم يتولى مهمة حراسة الكنائس بعد أن إنسحبت قوات الداخلية ، و حين أعلن عن تنحى مبارك عمت الفرحة فى أرجاء مصر و ظن البعض أن كل شئ عانينا منه - بما فى ذلك ما يعرف بالفتنة الطائفية - قد إنتهى بتنحى رأس النظام و إنتصار الثورة ، لكن الحقيقة لم تكن كذلك ، و ما يمكن قوله أن أحداث الثورة قد أنتجت روح و حالة من الإنصهار بين عنصرى الأمة يمكن أن نبنى عليها أو نستغلها فى العلاج الشامل لكل الجروح و التقيحات الطائفية ، و ذلك فى إطار إعادة بناء النظام الجديد فى مصر .


الفوضـــى


كان من الصادم و المقلق أنه فى تلك الفترة عمت مصر حالة من الفوضى - كان جزء منها مخطط له سلفا - أدت إلى تردى الحالة الأمنية مما نتج عنه انتشار الخوف و عدم الشعور بالأمان ، و ظهرت على السطح عصابات البلطجية فى كل أنحاء مصر تهاجم و تسرق هنا و تحرق و ترهب الناس هناك ، و قد لوحظ إقبال غير مسبوق على شراء السلاح حتى أن أسعار الأسلحة المهربة إرتفعت بشكل جنونى فى السوق السوداء .


مكائد الثورة المضادة


بدأ الحديث عما سمى بالثورة المضادة بمجرد إندلاع الثورة الشعبية و ازداد بعد تنحى مبارك ، فقد كان من المتوقع ألا يقف أعداء الثورة متفرجين ، فهؤلاء كانوا جزء من النظام الذى أسقطه الشعب و قد كونوا ثروات طائلة و أنشأوا شبكة واسعة من المصالح و فتحوا خطوط اتصال بالخارج ، و هؤلاء كانوا و لازالوا على استعداد لانفاق الملايين لاجهاض الثورة ، حتى لو كان ذلك سيؤدى إلى عموم الفوضى و ضرب الوحدة الوطنية بمصر ، و بالفعل بدا التخطيط لنشر الفوضى و عدم الاستقرار ثم الوقيعة بين الشعب و الجيش و دفع البلاد للسقوط فى أتون الفتنة الطائفية ، و قد سهل الأمر عليهم هذا المناخ القابل للاشتعال مع أى شرارة هنا أو هناك و كان أيضا تآكل هيبة الدولة من الأمور التى مهدت الطريق أمام تنفيذ مخططاتهم ، و توالت الحوادث التى تحمل بصمات أعداء الثورة و ظهر جليا أن تلك العصابة لا تتورع عن فعل أى شئ مهما كان فى سبيل الحفاظ على مصالحهم الشخصية بغض النظر عن مصالح الوطن و الشعب ، و للأسف كانت الفتنة الطائفية هى الحلقة الأضعف و التى جرى التركيز عليها ، و لا ننسى هنا أن نشير إلى القدرات الكبيرة التى تمتلكها تلك المجموعة ، فهم يملكون المال الوفير و الأتباع الأوفياء و الاتصالات الواسعة فى الداخل و الخارج بالاضافة طبعا لجيوش البلطجية المدججين بالسلاح ، و يبدو أن تلك العصابة قد شعرت مؤخرا بالخطر الشديد الذى يحاصرها من كل جانب و ذلك فى الأيام القليلة الماضية بعد أن و ضحت الرؤية بالنسبة لمحاكمة مبارك و أتباعه ، فكان رد فعلهم هو إشعال الحرائق الطائفية ظنا منهم أن ذلك سيعيق مسار الثورة و يحول دون محاكمتهم التى من المتوقع أن تدينهم ، و كانت تكتيكاتهم هى جمع البلطجية و تسليحهم و الدفع بهم لارتكاب الجرائم ذات الصبغة الطائفية كما حدث فى ضاحية المقطم ، كما أنهم أرسلوا أتباعهم إلى ميدان التحرير - فى واحدة من جمع الثورة المطالبة بمحاكمة مبارك - ليشيعوا الفوضى و يحرضوا الناس على الجيش و المجلس العسكرى حتى يحدث الصدام بين الجيش و الشعب ، و كما استخدم الثوار شبكة الانترنت للحشد ؛ استخدمها أعداء الثورة لنشر الأكاذيب و الإشاعات التى من شأنها اثارة الفتنة بين المسلمين و الأقباط من جهة و بين الشعب و المؤسسة العسكرية الوطنية من جهة أخرى .


بروز التيار السلفى على الساحة


فى تلك اللحظة التاريخية شهدت مصر حالة من السيولة السياسية بعد عقود من الإقصاء و التهميش ، و كان التيار السلفى من البارزين الجدد على الساحة السياسية ، و هذا التيار لم يكن وليد اللحظة بل هو متواجد فى مصر منذ عقود و لكن لم يكن يسمح له بالنشاط السياسى ، و هنا يجدر الإشارة إلى أنه من المعروف صلة بعض من ينسبون أنفسهم للتيار السلفى بجهاز مباحث أمن الدولة " المنحل " حيث كان يستخدمهم فى تحقيق أغراضه ، و بمجرد أن أتيحت الفرصة للتيار السلفى على العمل السياسى شهدنا محاولاتهم للسيطرة و التمكين لأفكارهم بعد أن كان بعضهم يحرم تنظيم الأحزاب و يتمسك بمبدأ عدم الخروج على الحاكم بل و ذهب بعضهم إلى تحريم المظاهرات بجميع أشكالها ، و لكن بعد رحيل مبارك و نظامه وجدنا بعضهم يحاول ركوب الموجة الثورية كغيره من القافزين على الثورة ، و من المعروف أن التيار السلفى يتبنى رؤية تتعارض مع مدنية الدولة و لديه مشكلة فى التعامل مع الآخر المختلف معه سواء كان ذلك الخلاف مع بعض المسلمين الآخرين أو مع المصريين الأقباط ، و مؤخرا بدأ بعض شيوخ الدعوة السلفية يهاجمون الكنيسة بشكل علنى لاحتجازها بعض السيدات اللاتى أشهرن إسلامهن كما يدعون ، و من الملاحظ أنهم إستخدموا قنواتهم الفضائية و شبكة الانترنت لعرض رؤيتهم و هجومهم على الكنيسة بل و وصل الأمر فى بعض الأحيان إلى التحريض المباشر على تنظيم المظاهرات للمطالبة بإطلاق صراح الأسيرات - كما يسمونهن - و شطح البعض إلى حد الدعوة و التحريض على محاصرة الكتدرائية و الهجوم على الأديرة التى يدعون أن بها مسلمات أسيرات و ذلك لتحريرهن .
فى هذا الصدد لا يمكن أن نعمم النقد على كل السلفيين فهم ليسوا جماعة أو تنظيم متجانس بل أنهم تيارات يجنح بعضها للتطرف لكن منهم من يتعاطى بخطاب أكثر إعتدالا ، لذلك نقول أن من السلفيين من لم يتورط فى التحريض الطائفى و هناك أيضا من حرض و شارك فى العديد من الأحداث المؤسفة ، فمن قطع أذن مواطن قبطى إلى محاولة إحتلال مسجد النور و إبعاد خطيبه ليحل محله أحد شيوخهم ، إلى الدعوة لهدم الأضرحة ، إلى إحداث حالة من الإستقطاب الطائفى أثناء الإستفتاء على بعض التعديلات الدستورية ، و إلى غير ذلك من الحوادث المؤسفة التى شارك فيها من ينسبون أنفسهم للتيار السلفى ، سنجد أن ذلك قد تسبب فى زيادة الإحتقان الطائفى القائم من قبل الثورة ، أى أن بعض السلفيين بشكل ما قد ساهموا - بقصد أو من دون قصد - فى تنفيذ مخططات أعداء الثورة ، كما أن ذلك كله قد دفع الأمور للإشتعال كما رأينا فى أحداث إمبابة الطائفية التى تضافرت فيها العوامل القديمة و الطارئة ، فمن مخططات الثورة المضادة ، إلى تحريض بعض السلفيين ، إلى حالة الإحتقان السابقة للثورة ؛ كانت الأسباب وراء ما حدث فى إمبابة ، و لكن أى تحليل متعمق لحالة الإحتقان - خاصة بعد الثورة - لا يجب أن يتغاضى عن العامل الخارجى .


التداخلات و المؤامرات الخارجية


منذ اندلاع الثورة الشعبية فى مصر و هناك أطراف خارجية غير راضية عما يحدث فى مصر ، و تلك الأطراف ترى ان الثورة تشكل خطر على مصالحها ، و لا يخفى على أحد أن بين تلك الأطراف أنظمة عربية ترى أن التغيير الثورى فى مصر يشكل تهديدا كبيرا على استقرارها الداخلى ، و عموما فقد عملت تلك الأطراف - العربية و غير العربية - على عرقلة الثورة و عدم تجذر التغيير ، و إذا عدنا إلى بعض خطط إسرائيل و حلفائها التى تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة - الشرق الاوسط - بعد تقسيم دولها إلى دويلات و كانتونات طائفية و عرقية ضعيفة تتصارع فيما بينها ؛ فيسهل ذلك خضوعها للتبعية الخارجية ، و بالطبع كانت و لازالت مصر على رأس الدول المراد تقسيمها عن طريق إشعال الفتنة الطائفية بين المسلمين و الأقباط ؛ فينتج عن ذلك إقامة دولة قبطية بصعيد مصر ، و على الرغم من صعوبة تنفيذ ذلك كما أقر معظم الخبراء و السياسيين الإسرائيليين و غيرهم ، فإنهم لم يؤلوا جهدا فى السعى لتنفيذ هذا المخطط عن طريق العمل مع الاطراف الداخلية الموالية لهم و الذين قد أضيف لهم أعداء الثورة مؤخرا ، و من المؤكد أن إسرائيل هى أكثر الأطراف عداوة للثورة ، و قد تأكد لهم خطورة التغيير فى مصر بعد إعادة رسم السياسة الخارجية المصرية و تحديدا ؛ تطبيع العلاقات مع إيران ، و رعاية المصالحة الفلسطينية ، و الإعلان عن فتح معبر رفح بشكل دائم ، و توقف ضخ الغاز المصرى لإسرائيل ؛ و كلها سياسات تعتبرها إسرائيل خطر محدق بها ، بعد أن كان على رأس النظام المصرى " كنزا إستراتيجيا " متمثل فى مبارك - كما صرح أحد الوزراء الحاليين فى إسرائيل - و على ذلك فإنه من غير المستبعد أن تكون إسرائيل ضالعة - بشكل مباشر أو غير مباشر - فى تأجيج الفتنة الطائفية بمصر .




و على الطرف الآخر نجد أن بعض الدول العربية تنظر لما يحدث فى مصر بقلق شديد و تعتبر أن نجاح الثورة سينعكس على إستقرار أنظمتها داخليا ، و للأسف فقد لوحظ مؤخرا أن تلك الدول تضغط فى إتجاه عدم محاكمة مبارك ، و قامت أيضا بتكثيف إتصالاتها مع بعض التيارات السلفية - التى تدعمها من قبل الثورة - بهدف نشر أفكارهم و توسيع قاعدتهم الشعبية بين المصريين المسلمين ، و قد تجلى ذلك بصورة فجة عندما رفع بعض السلفيين أعلام السعودية فى قنا أثناء التظاهرات الرافضة لتعيين محافظ قبطى ، و للأسف فوجئنا بالبعض منهم يردد على مسامعنا أنه " لا ولاية لقبطى أو لإمراة " و هو ما يتماشى مع الخط الوهابى السلفى و لا يتماشى مع الخط الوسطى الذى يتبناه الأزهر و معظم المصريين ، كما أنه يتعارض أيضا مع قواعد الدولة المدنية...
إن السبب الذى من أجله تحاول بعض الأنظمة العربية الإستبدادية عرقلة مسار الثورة فى مصر ، هو أنها تخشى تصدير الثورة إلى شعوبها فهى تعلم جيدا أن مصر كانت دائما النموذج الذى يحتذى به فى محيطها العربى ، و من ناحية أخرى هى تعلم أيضا أن داخلها يضم من دوافع الثورة ما قد يجعل إحتمال إنتقال الثورة إلى شعوبها جائزا بل و واردا بشدة ، فهناك أجيال من الشباب العربى نشأوا فى ظل أنظمة إستبدادية منعتهم من تحقيق تطلعاتهم للحرية ، فى عصر أصبح فيه العالم قرية صغيرة بفضل وسائل الاتصالات و الشبكات الاجتماعية الحديثة .


خارطة الطريق


فى المجمل يمكن تلخيص ماسبق فى أن عدة عوامل تضافرت و تداخلت مع بعضها البعض للدفع فى طريق زيادة الإحتقان الطائفى بعد الثورة ؛ فمن الفوضى ، إلى مكائد الثورة المضادة ، إلى إقتحام بعض التيارات السلفية للساحة السياسية حاملين معهم أفكارا من شأنها إذكاء الإحتقان الطائفى ، إلى المؤامرات و التداخلات الخارجية ؛ نجد أن كل تلك العوامل قد أثرت بالسلب على التلاحم الوطنى على الأقل فى الوقت الحاضر ، و إذا أضفنا لذلك تدهور الأوضاع الإقتصادية فى مصر بعد الثورة سنصل إلى نتيجة مفادها - للأسف - أن الوضع مرشح للتفاقم فى الأيام القادمة إن لم توضع و تنفذ حلول شاملة و سريعة لتلك الحالة ، و تلك الحلول يجب أن تنقسم إلى حلول على المدى القصير تدفع فى إتجاه محاصرة الفتنة و الحد من الإحتقان الطائفى ، و حلول أخرى على المدى الطويل تعمل على تجفيف منابع الإحتقان و القضاء الكامل على مسببات الفتنة بين عنصرى الأمة ، و للعلم فإن الحلول المفترضة لتلك الأزمة ليست سهلة و فى نفس الوقت ليست مستحيلة التنفيذ ؛ لكنها و بكل المقاييس تعتبر ضرورة قصوى لسلامة الوطن و لتحقيق أهداف الثورة ، و أعتقد أن نصف الحل يتمثل فى الإعتراف بالمشكلة و تسليط الضوء على أسبابها ؛ و هذا ما حاولت القيام به فيما سبق ، أما النصف الثانى للحل فيحتاج إلى دراسة مستقلة ترسم خارطة طريق للخروج بالوطن من الحالة الراهنة التى لا يرضى عنها الغالبية الساحقة من المصريين ...



وفقنا الله لما فيه الخير لمصرنا العزيزة الغالية