الخميس، 29 مارس 2012

ألم أقل لكم ؟؟؟



 أكره جدا مقولة " ألم أقل لكم " لكننى أجد أن تلك الجملة تفرض نفسها فى ظل التطورات الحالية على الساحة السياسية ؛ أتتذكرون الجدال الطويل الذى طرأ على مصر إبان الاستفتاء على التعديلات الدستورية ؟؟؟ لقد كنت شخصيا من مؤيدى رفض تلك التعديلات ؛ رغم أننى كنت أؤيد معظم تلك المواد المعدلة باستثناء مادة أو اثنتين ؛ وتحديدا المادة الخاصة بترتيبات الفترة الانتقالية و كتابة الدستور ؛ وفالحقيقة كنت حينها مصدوم تماما من تلك المادة التى صاغتها لجنة يرأسها فقيه دستورى بمكانة المستشار البشرى ؛ لقد تعلمنا من كتابات المستشار طارق البشرى أن الدستور يوضع وفق آليات التوافق والتراضى العام بغض النظر عن شكل الأغلبية البرلمانية ؛ وأن الدستور تكتبه جمعية تأسيسية تُمَثل فيها كل طوائف وفئات الشعب على ألا يكون لأعضاء تلك الجمعية أى دور سياسى بعد الانتهاء من كتابة الدستور و ذلك لدرء كل شبهات الانتفاع الشخصى أو الفئوى ؛ لقد تعلمنا أن الدستور هو بمثابة عقد اجتماعى يجمع كل المواطنين كشركاء فى الوطن بحيث لا يطغى فصيل على آخر حتى لو كان هذا الفصيل يمثل الأغلبية ؛ فكما هو معروف أن أغلبية اليوم هى أقلية الغد ؛ فهل سنغير الدستور كلما تغير شكل الأغلبية ؟؟؟ لقد تعلمنا أنه من الضرورى تجهيز الظرف السياسى لكتابة الدستور بحيث تعم روح الاتحاد الذى يقود للتوافق العام ؛ أما إذا كان الظرف السياسى ملئ بالانقسامات والصراعات والتجاذبات والسعى المحموم للسلطة ؛ فمن المستحيل كتابة دستور توافقى لأن كل طرف لديه مشروعه الخاص الذى يسعى لتحقيقه بغض النظر عن باقى الأطراف ؛ فكيف نتتطلع الآن - والحال كما تعلمون - لكتابة دستور توافقى ؟؟؟ عن أى دستور يتحدثون ؟؟؟ إن رجل الشارع يبحث الآن عن البنزين والسولار ولا يعير هذا الدستور أى اهتمام !!! لو ظلت الأوضاع كما هى حاليا فمن المؤكد أننا لن نرى هذا الدستور ؛ و ستمر أيام و شهور طويلة دون أن نتفق على شئ يذكر ... وهنا تفرض الأسئلة نفسها ؛ ألم يكن من الأفضل أن نبدأ بكتابة الدستور ؟؟؟ ألم يتسبب ذلك الاستفتاء – الكمين – بغرس بذرة الخلاف بيننا ؟؟؟ ألم يكن المناخ أنسب بعد الثورة - وقبل أن تفرقنا الانتخابات – لكتابة الدستور ؛ حيث لا وجود لخلاف بين أغلبية متغطرسة طامحة فى السلطة و بين أقلية مهلهلة ومهووسة بالخوف من الإقصاء ؟؟؟ ألم يكن واضحا فى الفترة السابقة للاستفتاء أن الاخوان هم أكثر التيارات السياسية استعدادا للانتخابات وبالتالى كان من المتوقع أنهم سيكتسحوا الانتخابات ؟؟؟ فكيف بالله عليكم نعطى سلطة اختيار اللجنة التأسيسية للبرلمان صاحب الأغلبية الاخوانية ؟؟؟ ألم نكن نعلم أن الأغلبية ستستأثر بتلك اللجنة و تضع دستورا يتماشى مع مشروعها السياسى بغض النظر عن باقى الأطراف ؟؟؟ 

الحقيقة التى لا مراء فيها أن تلك اللجنة التأسيسية التى يهيمن عليها الاخوان قد ولدت ميتة ؛ وحتى لو استطاعت تمرير دستور يتلاءم مع رؤيتهم لن يعيش هذا الدستور طويلا ؛ وللأسف سيكون الخاسر هو الشعب والحياة السياسية بشكل عام ؛ وسيكون هذا الدستور الاخوانى هو المسمار الأخير فى نعش التجربة السياسية الاخوانية ...

فالنهاية أتمنى ألا يأتى يوم آخر أجد نفسى مجبرا أن أقول تلك الجملة العقيمة " ألم أقل لكم"





الأحد، 25 مارس 2012

فى حــد فاهــــــــم حاجـــــــة ؟؟؟


منذ عام تقريبا اندلعت أحداث الثورة المصرية التى نجحت فى الاطاحة برأس النظام ؛ وفى ذلك الحين انتاب غالبية المصريين شعور بالفرح والتفاؤل والفخر ؛ وأهم من ذلك القدرة على الحلم والتطلع لمستقبل أفضل ؛ وهذا شئ مبرر تماما فقد شعر الناس بأنهم يستطيعوا فعل المستحيل وتغيير العالم بأسره ؛ لكن المدهش أن تلك الروح ظلت تتآكل يوما بعد يوم ؛ وظلت الكثير من الأسئلة والألغاز التى أثارتها أحداث الثورة وتطوراتها خلال الأشهر التالية معلقة بلا أجوبة مقنعة !!! بل إننى أستطيع الزعم بأن الثورة المصرية – والثورات العربية – مليئة بالكثير من الألغاز التى أظن أننا لن نصل إلى إجابات شافية لها - فى الوقت الحالى على الأقل ...

فى بعض الأحيان قد ينسينا الفرح بحدث ما أن نفكر فى أسباب هذا الحدث وملابساته وخاصة لو كان هذا الحدث قد طال انتظاره ؛ ولكن الواجب يقتضى منا أن نمعن فالتفكير بالأحداث والملابسات برمتها ؛ وحين سنفعل ذلك ستنهال علينا جبالا من الأسئلة والألغاز خاصة إذا راجعنا الأحداث يوما بيوم وغصنا فالتفاصيل التى تلقى الضوء على العوامل التى حكمت أحداث الثورة ؛ وإنى أكاد أتصور الأمر وكأنه يشبه قصة بوليسية غامضة تبدو أحداثها متناقضة ولا يؤدى بعضها منطقيا إلى البعض الآخر !!! لذا فأنا أحاول الآن طرح الأسئلة فى محاولة لسد الثغرات فالصورة الكاملة والتى لم تتضح معالمها حتى الآن ...

- لقد قامت الثورة المصرية فى أعقاب ثورة ناجحة فى تونس ؛ ولكن هل كانت ثورة تونس نفسها مفهومة تماما ؟؟؟ غضب الشعب التونسى مفهوم تماما مثلما كان غضب المصريين ؛ ولكن النظام البوليسى فى تونس كان يبدو مستقرا و واثقا من نفسه مثلما كان النظام فى مصر وكلاهما كان مدعوما بقوة من دول خارجية تغدق عليهما المعونات والأسلحة ؛ فكيف إنقلب كل هذا فجأة إلى ضده ؟؟؟ وما الذى جعل هذا التجمهر الواسع على هذا النحو ممكنا فجأة بعد أن كان محظورا وممنوعا بقسوة ؟؟؟ هل الاجابة إن لكل شئ نهاية ولابد أن ينفذ الصبر بعد حين ؟؟؟ ولكن لماذا ينفذ صبر المصريين فى نفس الوقت الذى ينفذ فيه صبر التونسيين والليبيين واليمنيين والبحرانيين والسوريين ؟؟؟ على الرغم من الاختلاف الكبير فى الظروف السياسية والاجتماعية والمادية لهذه الشعوب وعلى الرغم من اختلافهم الكبير فى مدى الاستعداد للصبر على المكروه ؟؟؟ يقول البعض أن نظرية الدومينو تفسر الأمر برمته حيث يؤدى سقوط أحد الأنظمة إلى سقوط نظام آخر قريب منه ؛ قد تكون تلك الاجابة معقولة ولكنها بصراحة لا تقنعنى تماما ؛ فأحداث السقوط المتتالى على طريقة الدومينو نادرة جدا فالتاريخ وهى لا تحدث عادة إلا بمساعدة من الخارج ؛ وفالحقيقة الأمر مازال محيرا لى ولغيرى خاصة أن ظاهرة التساقط المتتالى هذه اقترنت بأحداث متشابهة ؛ وبدأت الأحداث بظاهرة احراق الشباب لأنفسهم فالشوارع والساحات - حيث بدأها "البوعزيزى" فى تونس ثم كررها بعض الشباب فى مصر – ثم اشتعلت الأحداث إلى أن انسحبت الشرطة من الشوارع وفتحت السجون ونزل الجيش إلى الشوارع و أعلن حظر التجوال وعمت الفوضى ؛ ثم بدأ النظام فى تقديم التنازلات و اجراء بعض التغييرات الشكلية لكن الثوار فالساحات مصرون على اسقاط النظام برمته ؛ وتلى ذلك محاولة أخيرة مستميتة من النظام لتصفية الثورة لكن تلك المحاولة الحمقاء تصبح المسمار الأخير فى نعش النظام ... هذا السيناريو تكرر بحذافيره فى مصر بعد حدوثه فى تونس !!! والسؤال هنا لماذا تتشابه تحركات الثوار فى البلدين لتلك الدرجة ؟؟؟ ولماذا تتشابه ردود أفعال النظامين فى مصر وتونس لدرجة التطابق ؟؟؟ هل يكون التفسير أن سلوك الأنظمة المستبدة حيال التهديد الثورى متشابه فى كل أنحاء العالم ؟؟؟ ألأن الشعوب العربية تتشابه أوضاعها ومعاناتها ؟؟؟ هل كانت الثورة التونسية ملهمة للمصريين لتلك الدرجة ؟؟؟  

- كان قد تم الاعلان بالفعل عن القيام بمظاهرات حاشدة تصب فالنهاية بميدان التحرير بالقاهرة ؛ وذلك الاعلان كان قد تم قبل الخامس والعشرين من يناير بفترة تسمح للأمن باتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع حدوث تلك التظاهرات أو على الأقل عرقلة انتشارها وتمددها ؛ فلماذا لم يتخذ الأمن تلك الاجراءات ؛ كما كان يفعل دائما عند كل موقف مشابه ؟؟؟ لقد اعتدنا لسنوات طوال أن يأخذ رجال الأمن احتياطياتهم كافة لمنع تجمهر أصغر من هذا بكثير وأقل خطورة ؛ وكان من الوسائل المألوفة ملء الميدان المتوقع التجمهر فيه برجال الأمن وسياراتهم ومصفحاتهم ؛ واغلاق الشوارع المؤدية إلى الميدان فيصبح التجمهر مستحيلا ؛ لقد كان مثل ذلك يحدث فى ظروف أقل حدة بكثير مما كانت عليه الظروف فى يناير 2011 ؛ فلماذا أحجم الأمن عن القيام بهذه الاجراءات فى تلك المرة ؟؟؟؟

- أعتقد أن الفترة من 28 يناير إلى 11 فبراير ستظل الأكثر غموضا فى تاريخ الثورة المصرية ؛ فتلك الفترة كانت الأكثر سيولة فى الأحداث - سواء كانت تلك الأحداث ظاهرة أو خافية – وكانت الأكثر فى أعمال الفوضى التى دبت فى كل أرجاء الدولة ؛ ان حجم تلك الفوضى يجعلنا نشعر بأنها كانت مفتعلة إلى حد كبير و وفق مخطط شامل يسعى لاغراق البلد فى حالة من الفوضى والعنف الشامل ، و ماتزال الأسئلة معلقة ولا تجد من يجيب عنها ؛ فمن الذى أعطى أوامر بانسحاب الشرطة من كل مواقعها ؟؟؟ وهل كان ذلك وفق خطة موضوعة سلفا كما قيل و كما تقتضى حقائق الأمور على الأرض ؟؟؟ ولماذا انسحب بعض رجال الشرطة ولم ينسحب البعض الآخر ؟؟؟ وهناك أيضا هجوم البلطجية على أقسام الشرطة والمنشآت العامة والمراكز والمحال التجارية ؛ وذلك فى نفس التوقيت وفى معظم أنحاء الجمهورية ؛ والأكثر غموضا فالأمر هو أن ذلك قد بدأ فى الحدوث قبل الانسحاب الكامل لقوات الشرطة !!! فمثلا كانت قوات الشرطة والأمن المركزى مشتبكة مع المتظاهرين عند كوبرى قصر النيل وعند ميدان عبد المنعم رياض وعند ميدان العابسية وعند كل مداخل ميدان التحرير ؛ وفى نفس ذلك الوقت بدأت غارات البلطجية على الممتلكات العامة والخاصة ؛ ولم يكن هجومهم مشابه لأى عملية سرقة أو نهب معروفة ؛ فقد لاحظ الجميع أن الترويع والارهاب كان هو الهدف الأهم من السرقة فى حد ذاتها ؛ والأدهى أن تحركات البلطجية كانت تنم عن ثقة وثبات غير معهود ؛ فقد كان واضحا أنهم لم يعيروا اهتماما لاحتمال تدخل الشرطة لحماية الممتلكات العامة والخاصة !!! فمن أين جاءت تلك الثقة ؟؟؟ هل فعلا كان البلطجية على علم مسبق بقرار انسحاب الشرطة مع غروب شمس الثامن والعشرين من يناير ؟؟؟ وماذا عن السجون وما حدث فيها ؟؟؟ هل كان هناك مخطط لفتح السجون ؟؟؟ هل كانت هناك أطراف أخرى خططت ونفذت الهجوم على السجون ؟؟؟ وماذا عن بعض الحوادث التى لم نستطع فك طلاسمها حتى الآن كحادثة مقتل اللواء البطران ؟؟؟ للأسف الشديد حتى الآن لم نصل إلى اجابات شافية وموثقة لكل تلك الأسئلة ...

- نأتى لموقف المجلس الأعلى للقوات المسلحة والمؤسسة العسكرية بشكل عام ؛ فكما هو معروف – فى مرحلة ما قبل ثورة يناير - كان ولاء قيادة الجيش لنظام حكم مبارك لا جدال فيه لكن سلوك تلك القيادة مع بداية اندلاع الأحداث كان لا يتماشى مع ذلك الولاء المعروف ؛ فقد كان واضحا من اللحظة الأولى أن الجيش اتخذ قرارا مبدئيا بعدم الدخول فى مواجهة مع المتظاهرين وأصدر التصريحات تلوى الآخرى يعلن فيها - بشكل لا لبس فيه - تأييد مطالب المتظاهرين ؛ ثم كانت الرسالة الأخيرة لمن يهمه الأمر هى اعلان انعقاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون حضور مبارك ؛ بل وبرئاسة المشير ؛ مع اعلان أن المجلس فى حالة انعقاد دائم ؛ وتلى ذلك اصدار البيان رقم واحد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ؛ وبناءا على كل ذلك أعتقد أن قيادة الجيش كان لها القرار الحاسم فيما يخص تنحى مبارك ؛ فما هى الدوافع والوقائع التى قادت إلى ذلك ؟؟؟ وهل حقا كان الجيش يتوقع النزول إلى الشارع فى مرحلة ما - كانوا يظنوا أنها ستكون مع بدء التنفيذ الفعلى لنقل السلطة للوريث ؟؟؟ وإذا افترضنا أن قيادة الجيش كانت تؤيد مطالب الثورة فعلا ؛ لماذا إذن لم يحسم الجيش الموقف من بداية الأحداث وانتظر ثمانية عشر يوما أعطى خلالها أكثر من فرصة لرجال النظام كى يقوموا بتصفية الثورة فى مهدها ؟؟؟ وكان أوضح مثال على ذلك هو موقف الجيش يوم واقعة الجمل ؛ فقد اتخذت القوات المتواجدة حول ميدان التحرير موقف الحياد السلبى حيث لم تعتدى على الثوار وأيضا لم تدافع عنهم !!! ثم لماذا شعرنا أن الجيش لم يسعى لانهاء حالة الفوضى بشكل جدى وحاسم ؟؟؟ ولماذا لم يتدخل الجيش لمنع تلك الحوادث التى كان يستطيع منعها ؟؟؟ 

أما إذا نظرنا للفترة منذ تنحى مبارك إلى الآن سنصطدم بالكثير من علالمات الاستفهام حول الأداء السياسى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ... الكثير من علامات الاستفهام التى تستحق أن يكون لها دراسة مستقلة ومستفيضة قد أكتبها فى يوم من الأيام ؛ هذا إذا كان فى العمر بقية .....





الاثنين، 19 مارس 2012

إوعى الأناركية تعضك


                  "معى أنت جميل ... ضدى أنت عميل"

أحيانا أشعر أن تدنى مستوى الثقافة السياسية لدى عدد ليس بالقليل من المصريين كان بفعل فاعل ؛ وهذا الفاعل قد عمل بدأب على مدار عقود مستخدما كل أدوات تكريس الجهل السياسى والتفكير اللاعقلانى لتحقيق ذلك ؛ وكلما تمعنت فالأمر توصلت لحقيقة ثابتة ؛ ألا وهى أن الفاعل الرئيسى هو الأنظمة السياسية المتعاقبة على حكم مصر ، وللأسف نتج عن ذلك تكريس الكثير من المفاهيم والمقولات السلبية والمغلوطة التى تتنافى مع أبسط قواعد الثقافة السياسية من قبيل "مافيش فايدة " و "امشى جنب الحيط" و "كل عيش وربى العيال" و "اللى نعرفه أحسن من اللى مانعرفوش" و "ماليش فالسياسة " و "البلد بلدهم يعملوا فيها مابدالهم" و "إيه المشكلة لو جمال مسك مكان أبوه ؟؟؟ دا حتى راجل شبعان وأبوه أمنله مستقبله من زمان أما لو جه حد غيره هايسرق تانى من الأول لحد مايشبع" و و و !!!!!!! ولكن من أكثر الأعراض التى ظهرت فالآونة الأخيرة هى ظاهرة تخوين كل من له رأى مخالف ؛ فنحن لم نتعلم ثقافة الاختلاف ؛ وهذا نتج عن عقود طويلة من الاستبداد السياسى واحتكار السلطة ؛ فلقد عاش المصريون طويلا فى دولة الحاكم الواحد وصانع السياسة الواحد والحزب الواحد والرأى الواحد والفكر الواحد ؛ حتى أن الاحتكار تسرب من السياسة إلى الاقتصاد ؛ وكانت النتيجة أننا لم نعد نقبل الاختلاف وشاعت بيننا عادة ذميمة هى تخوين كل من له رأى مخالف ؛ وأصبح لسان حالنا يقول "معى أنت جميل ضدى أنت عميل" 

 وكان سلاح التخوين والتكفير والتشكيك من أكثر الأسلحة التى استخدمتها الأنظمة السياسية المتعاقبة على حكم مصر ؛ وكانت أبواق السلطة دائما ما تطلق التصنيفات والمسميات – السلبية حسب رؤيتهم – على خصوم ومعارضى السلطة مستغلين فى ذلك انتشار الجهل السياسى ؛ فمثلا فى فترة معينة كان يطلق على من يراد التنكيل بهم وصف "ديمقراطى" وقاموا بنشر مفهوم سلبى عن الديمقراطية ؛ وانتشرت مقولة "إن كنت ديمقراطى هات مراتك وخد مراتى" !!! ثم فى فترة لاحقة ظهر وصف "شيوعى ملحد" حيث اقترن هذا الوصف بكل من يتحدث عن العدالة الاجتماعية أو حقوق الفقراء !!! ثم ظهر بعد ذلك وصف "رجعى" !!! ثم وصف "علمانى" !!! ثم وصف "إرهابى" !!! ومؤخرا خرج علينا البعض بمصطلحات وأوصاف غريبة على القاموس السياسى المصرى من قبيل "ماسونى" و " أناركى" !!! بالنسبة لـ "ماسونى" فمن الجائز أنها قد ترددت هنا وهناك قبل الثورة أما بالنسبة لـ " أناركى" فهى جديدة تماما على المصريين ؛ واستغل مستخدمى هذا الوصف حقيقة أن ثقافة عامة المصريين فالغالب ثقافة سمعية ؛ لذا حرصوا على ترديد وصف " أناركى" فى سياق سلبى تآمرى ليعطوا إيحاء للناس بأنه وصف سيئ أقرب لسبة ؛ بغض النظر عن المعنى الحقيقى للأناركية !!! وبالفعل تلقاه العديد من أبناء مبارك – الذين تحولوا بقدرة قادر إلى أبناء المشير – بكل حماسة وبدأوا فى ترديده فى كل مكان واصفين به كل يؤيد الثورة ويطالب باستكمال أهدافها ؛ وأوهموا العامة بأن " الأناركية " تجتاح مصر وتخطط للإطاحة بالدولة والجيش !!! و قد أثارنى هذا الأمر بشدة ؛ لذا فقد قررت أن أبحث بنفسى عن أول من استخدم هذا المصطلح فى مصر ؛ وبعد الكثير من البحث والتمحيص توصلت للنتيجة التى كنت قد توقعتها سلفا ؛ لقد تردد هذا المصطلح أول ما تردد على صفحات الفيس بوك الخاصة بأنصار مبارك ؛ لكن الذى لفت نظرى أن كثيرا ممن يوزعوا الاتهامات بـ "الأناركية" لا يعرفون على وجه التحديد معنى هذا المصطلح ؛ وقد اتضح ذلك من سياق حديثهم !!! فهم يتحدثون عن جماعة أو حركة تآمرية تعمل على الاطاحة بالنظام العام واسقاط الدولة ؛ بل ان البعض يتحدث عن الأناركية كعقيدة دينية !!! ولم يتطرق أحدهم إلى السياق التاريخى الذى تم صك هذا المصطلح – الأناركية – خلاله ؛ ولم يشر أحدهم إلى الوضع الجيوسياسى التى أنتج هذا التيار الفكرى ولا المرجعية الفكرية له ، وهنا لا يجب أن نتعجب من ذلك فهؤلاء ليس هدفهم تثقيف الناس وإنما هدفهم هو تشويه الثورة والثوار وتخويف الناس من كل من يتحدث عن التغيير ... الحقيقة أن الفكر الأناركى لم يأسس من أجل ضرب الدولة المصرية وهناك فاصل زمنى كبير جدا بين ظهور هذا التيار الفكرى وبين أحداث الثورة المصرية ؛ والحقيقة الثانية هى أن هذا التيار الفكرى ليست له قواعد عريضة فى مصر تسمح له بتوجيه الأحداث على الأرض ؛ وحتى إذا نظرنا للماركسية والاشتركية الثورية واليسار على العموم كتيار فكرى تفرعت منه الأناركية سنجد أنه ليس بالقوة التى تجعله قادرا على تحريك الجماهير والتحكم فى الأحداث ؛ بل إننى متأكد لو أننا سألنا أى مواطن فى الشارع عن معنى الأناركية أو الماركسية سيكون رده معبرا عن حجم هذا التيار فالشارع ...

 الخلاصة أن أعداء الثورة سيستمروا فى عملهم الدؤوب وحرصهم المشوب بالحقد حتى يقول الناس "ولا يوم من أيامك يا مبارك" ... سيلصقوا كل المساوئ بالثورة وسيدعوا أنها تسببت فى خراب البلد ؛ سيكذبوا ويلفقوا ويزيفوا مستغلين انتشار الجهل السياسى بين الناس ...

 الثورة قامت من أجل التغيير وبث روح جديدة فى نفوس الناس ؛ وبالفعل وصلت الروح الوطنية إلى آفاق بعيدة مع بداية الثورة لكن أتباع نظام مبارك عملوا على الاطاحة بتلك الروح ...

 الثورة هى التغيير للأفضل ؛ وكل ما يخالف ذلك لا يمت لها بصلة ...

                                التغيير هو الحل