الاثنين، 19 مارس 2012

إوعى الأناركية تعضك


                  "معى أنت جميل ... ضدى أنت عميل"

أحيانا أشعر أن تدنى مستوى الثقافة السياسية لدى عدد ليس بالقليل من المصريين كان بفعل فاعل ؛ وهذا الفاعل قد عمل بدأب على مدار عقود مستخدما كل أدوات تكريس الجهل السياسى والتفكير اللاعقلانى لتحقيق ذلك ؛ وكلما تمعنت فالأمر توصلت لحقيقة ثابتة ؛ ألا وهى أن الفاعل الرئيسى هو الأنظمة السياسية المتعاقبة على حكم مصر ، وللأسف نتج عن ذلك تكريس الكثير من المفاهيم والمقولات السلبية والمغلوطة التى تتنافى مع أبسط قواعد الثقافة السياسية من قبيل "مافيش فايدة " و "امشى جنب الحيط" و "كل عيش وربى العيال" و "اللى نعرفه أحسن من اللى مانعرفوش" و "ماليش فالسياسة " و "البلد بلدهم يعملوا فيها مابدالهم" و "إيه المشكلة لو جمال مسك مكان أبوه ؟؟؟ دا حتى راجل شبعان وأبوه أمنله مستقبله من زمان أما لو جه حد غيره هايسرق تانى من الأول لحد مايشبع" و و و !!!!!!! ولكن من أكثر الأعراض التى ظهرت فالآونة الأخيرة هى ظاهرة تخوين كل من له رأى مخالف ؛ فنحن لم نتعلم ثقافة الاختلاف ؛ وهذا نتج عن عقود طويلة من الاستبداد السياسى واحتكار السلطة ؛ فلقد عاش المصريون طويلا فى دولة الحاكم الواحد وصانع السياسة الواحد والحزب الواحد والرأى الواحد والفكر الواحد ؛ حتى أن الاحتكار تسرب من السياسة إلى الاقتصاد ؛ وكانت النتيجة أننا لم نعد نقبل الاختلاف وشاعت بيننا عادة ذميمة هى تخوين كل من له رأى مخالف ؛ وأصبح لسان حالنا يقول "معى أنت جميل ضدى أنت عميل" 

 وكان سلاح التخوين والتكفير والتشكيك من أكثر الأسلحة التى استخدمتها الأنظمة السياسية المتعاقبة على حكم مصر ؛ وكانت أبواق السلطة دائما ما تطلق التصنيفات والمسميات – السلبية حسب رؤيتهم – على خصوم ومعارضى السلطة مستغلين فى ذلك انتشار الجهل السياسى ؛ فمثلا فى فترة معينة كان يطلق على من يراد التنكيل بهم وصف "ديمقراطى" وقاموا بنشر مفهوم سلبى عن الديمقراطية ؛ وانتشرت مقولة "إن كنت ديمقراطى هات مراتك وخد مراتى" !!! ثم فى فترة لاحقة ظهر وصف "شيوعى ملحد" حيث اقترن هذا الوصف بكل من يتحدث عن العدالة الاجتماعية أو حقوق الفقراء !!! ثم ظهر بعد ذلك وصف "رجعى" !!! ثم وصف "علمانى" !!! ثم وصف "إرهابى" !!! ومؤخرا خرج علينا البعض بمصطلحات وأوصاف غريبة على القاموس السياسى المصرى من قبيل "ماسونى" و " أناركى" !!! بالنسبة لـ "ماسونى" فمن الجائز أنها قد ترددت هنا وهناك قبل الثورة أما بالنسبة لـ " أناركى" فهى جديدة تماما على المصريين ؛ واستغل مستخدمى هذا الوصف حقيقة أن ثقافة عامة المصريين فالغالب ثقافة سمعية ؛ لذا حرصوا على ترديد وصف " أناركى" فى سياق سلبى تآمرى ليعطوا إيحاء للناس بأنه وصف سيئ أقرب لسبة ؛ بغض النظر عن المعنى الحقيقى للأناركية !!! وبالفعل تلقاه العديد من أبناء مبارك – الذين تحولوا بقدرة قادر إلى أبناء المشير – بكل حماسة وبدأوا فى ترديده فى كل مكان واصفين به كل يؤيد الثورة ويطالب باستكمال أهدافها ؛ وأوهموا العامة بأن " الأناركية " تجتاح مصر وتخطط للإطاحة بالدولة والجيش !!! و قد أثارنى هذا الأمر بشدة ؛ لذا فقد قررت أن أبحث بنفسى عن أول من استخدم هذا المصطلح فى مصر ؛ وبعد الكثير من البحث والتمحيص توصلت للنتيجة التى كنت قد توقعتها سلفا ؛ لقد تردد هذا المصطلح أول ما تردد على صفحات الفيس بوك الخاصة بأنصار مبارك ؛ لكن الذى لفت نظرى أن كثيرا ممن يوزعوا الاتهامات بـ "الأناركية" لا يعرفون على وجه التحديد معنى هذا المصطلح ؛ وقد اتضح ذلك من سياق حديثهم !!! فهم يتحدثون عن جماعة أو حركة تآمرية تعمل على الاطاحة بالنظام العام واسقاط الدولة ؛ بل ان البعض يتحدث عن الأناركية كعقيدة دينية !!! ولم يتطرق أحدهم إلى السياق التاريخى الذى تم صك هذا المصطلح – الأناركية – خلاله ؛ ولم يشر أحدهم إلى الوضع الجيوسياسى التى أنتج هذا التيار الفكرى ولا المرجعية الفكرية له ، وهنا لا يجب أن نتعجب من ذلك فهؤلاء ليس هدفهم تثقيف الناس وإنما هدفهم هو تشويه الثورة والثوار وتخويف الناس من كل من يتحدث عن التغيير ... الحقيقة أن الفكر الأناركى لم يأسس من أجل ضرب الدولة المصرية وهناك فاصل زمنى كبير جدا بين ظهور هذا التيار الفكرى وبين أحداث الثورة المصرية ؛ والحقيقة الثانية هى أن هذا التيار الفكرى ليست له قواعد عريضة فى مصر تسمح له بتوجيه الأحداث على الأرض ؛ وحتى إذا نظرنا للماركسية والاشتركية الثورية واليسار على العموم كتيار فكرى تفرعت منه الأناركية سنجد أنه ليس بالقوة التى تجعله قادرا على تحريك الجماهير والتحكم فى الأحداث ؛ بل إننى متأكد لو أننا سألنا أى مواطن فى الشارع عن معنى الأناركية أو الماركسية سيكون رده معبرا عن حجم هذا التيار فالشارع ...

 الخلاصة أن أعداء الثورة سيستمروا فى عملهم الدؤوب وحرصهم المشوب بالحقد حتى يقول الناس "ولا يوم من أيامك يا مبارك" ... سيلصقوا كل المساوئ بالثورة وسيدعوا أنها تسببت فى خراب البلد ؛ سيكذبوا ويلفقوا ويزيفوا مستغلين انتشار الجهل السياسى بين الناس ...

 الثورة قامت من أجل التغيير وبث روح جديدة فى نفوس الناس ؛ وبالفعل وصلت الروح الوطنية إلى آفاق بعيدة مع بداية الثورة لكن أتباع نظام مبارك عملوا على الاطاحة بتلك الروح ...

 الثورة هى التغيير للأفضل ؛ وكل ما يخالف ذلك لا يمت لها بصلة ...

                                التغيير هو الحل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق