الاثنين، 30 يناير 2012

"حــوار مـع صـــديق مـن الفلـــــول"


أحد أصدقائى المقربين لم أقابله منذ فترة طويلة ؛ منذ عام تقريبا ؛ أى منذ اندلاع أحداث الثورة ؛ ومؤخرا إلتقيت به ؛ وكم كنت متشوقا لسماع رؤيته للأحداث التى مرت على مصر خلال هذا العام العصيب والملئ بالأحداث ؛ وبالفعل بدأت أتجاذب معه أطراف الحديث حول الشأن السياسى من اللحظة الأولى من لقائى به ؛ وبدأ حديثنا يأخذ منحنى متصاعد بعد تبادل التحيات والترحيب و الحديث عن الأشواق وكل هذا الكلام التقليدى ؛ وبمرور الوقت بدأت تتضح لى رؤيته العامة للأوضاع ؛ وسرعان ما بدأت أشعر بالضيق مما أسمعه منه ؛ و وجدت نفسى أسرح فى بعض ذكرياتنا و مواقفنا معا منذ أيام الطفولة حتى الشباب ؛ لقد كان لنا نقاشات طويلة فالسابق حول الأوضاع السياسية فى تلك المرحلة وحول التحليل السياسى للتاريخ المصرى الحديث ؛ وكنا فالغالب مختلفين فالرأى ؛ وكان بعد كل نقاش من تلك النقاشات يترسخ لدى حقيقة كان من الصعب على تقبلها لما بينى وبين صديقى من مودة وعلاقة شخصية دافئة ؛ لكن قواعد العقل والمنطق (التى تعلمتها خارج مناهج وزارة التربية والتعليم) كانت تقودنى رغما عنى لتلك الحقيقة ؛ والتى هى أن أسلوب صديقى فالتعاطى مع السياسة ومع كل ما يخص الشأن العام هو مثال صارخ للتفكير الرجعى ؛ نفس أسلوب التفكير الذى تسبب فى صمت وخنوع المجتمع - لعهود طويلة - على الظلم والانحطاط الذى وصلنا إليه ؛ نفس الأسلوب الذى روج كثيرا للرضا بالواقع المؤسف كما هو بدعوى أنه ليس فالامكان أفضل مما كان ؛ لقد كان صديقى يكرر دائما على مسامعى جمل كئيبة من قبيل "مصر كدا وهاتفضل طول عمرها كدا" وحين كنت أحدثه عن مخطط التوريث كان يرد على ساخرا "وهوا فى مين فمصر يصلح يكون رئيس غير جمال باشا ؟؟؟" وحين يرى امتعاضى من كلامه كان يكرر جملته الأثيرة "يابنى دى بلد وسخة وشعب متخلف ماينفعش يتحكم غير بالكرباج وهاتفضل مصر كدا ليوم الدين" !!! وحين ظهر الدكتور البرادعى على الساحة السياسية فى مصر وبدأنا نشعر ببصيص من الأمل وقررنا جمع التوكيلات له ؛ وكنت فى حينها ممن يدعوا الناس للتوقيع على بيان الجمعية الوطنية للتغيير ؛ لذا فقد طلبت من صديقى التوقيع فكان رده "إنت عبيط يابنى وإللا إيه ؟؟؟ إنت فاكر الكلام دا هايفرق فى حاجة ؟؟؟ أمن الدولة هاينفخ العيال الخـ.... (لفظ بذئ كلكم تعرفوه) بتوع البرادعى دول وبكره تشوف" !!! وفى تلك المرحلة – قبل الثورة – قررت عدم الدخول فى أى نقاش سياسى معه تجنبا لخلاف قد يطيح بصداقتنا ؛ الآن وبعد مرور عام أجلس معه وأجده يكرر على مسامعى كلاما مشابها لما كان يقوله قبل الثورة ؛ لقد تخيلت أن الأحداث الجثام التى وقعت على مدار الأيام والشهور الماضية قد أدت إلى تغيير وجهة نظره ؛ لكن الحقيقة هى أن صديقى مازال رجعيا بإمتياز بل إن رجعيته قد تضاعفت و زادت عليها نظرية المؤامرة التى تصبغ كل كلامه بلون أسود قاتم ؛ فمثلا وجدته يقول "ثورة إيه يابنى !!! انت لسا عايش فالوهم !!! دول كلهم عيال خونة قابضين من أمريكا واسرائيل وأكيد أمن الدولة هايلمهم كلهم" فسألته مباشرة "ألا ترى أن هناك متظاهرين قتلوا ظلما ؟؟؟" ففوجئت به يصيح قائلا "دول ولاد وسـ..... إيه اللى وداهم التحرير أصلا ؟؟؟ وماله مبارك ؟؟؟ دا راجل طيب وطول عمره شايل الهم" فى تلك اللحظة بذلت مجهودا خارقا حتى أحافظ على هدوئى ؛ وعدت لأسأله "وما رأيك فى أداء الأمن ورجال النظام خلال الثورة ؟؟؟" فرد على منفعلا "الناس دى غلطت غلطة كبيرة" فقلت فى نفسى يا فرج الله لينها يا ملين ؛ أخيرا سنتفق فى رأى ؛ لكنى فوجئت به يقول "كان المفروض الشرطة وأمن الدولة يخلصوا على العيال الخـ.... دول من أول يوم ؛ ولو ما عرفوش يخلصوا عليهم كانوا يبعتوا الطيران يكنس العيال دى" وهنا بدأ الدم يغلى فى رأسى وأحسست أننى سأنفجر فى أى لحظة ؛ لكن صديقى لم يلتفت لى واستكمل حديثه قائلا "ولو كانوا عملوا كدا ماكانش حد هايقولهم انتوا بتعملوا إيه عشان معظم المصريين بيحبوا مبارك" فوجدت نفسى أسأله "وأين كان محبى مبارك أثناء الثورة ؟؟؟" فرد على قائلا "كانوا موجدين فبيوتهم طبعا وإللا انت فاكر إنهم كانوا هايعملوا مظاهرات واعتصمات وحوارات خايبة من دى انت مفكرهم قابضين وإللا فاضيين للعب العيال دا ؟؟؟ اوعى تكون مصدق ان ممكن حد ينزل الشارع ويبات عالأرض فالميدان عشان الثورة وإللا عشان بيحب مصر والكلام الفاضى دا ... يابنى دول قابضين" عند هذا الحد لم أستطع أن أرد عليه أو حتى أنظر له ؛ فانتهز فرصة سكوتى و استرسل فى حديثه قائلا "انت شايف البلد بقت عاملة ازاى ؟؟؟ يابنى البلد خربت خلاص ... فعلا ولا يوم من أيامك يامبارك ... وعلى فكرة مبارك هايدخل التاريخ وهايندم الشعب المتخلف دا عليه ... يابنى انت بتأيد الثورة عشان مش فارق معاك حاجة وكدا كدا هاتلاقى أكلك وشربك وكل طلباتك متاحة لكن الناس اللى مش لاقية تاكل واللى بيعيشوا حياتهم يوم بيوم بيوتهم اتخربت خلاص وهايموتوا مالجوع" هنا تذكرت أن صديقى من رواد الجدل البيظنطى الكبار فلو كنت مثلا من المعدمين ممن هم تحت خط الفقر كان سيقول "انت مش فارق معاك حاجة انت كل اللى يهمك انك تلاقى الفول والطعمية و رغيف العيش أبو شلن ودى حاجات مش هاتتغير لكن البرصة والاقتصاد والاستثمارات الأجنبية مش فارقة معاك فحاجة وحتى البلطجية مش هاييجوا جنبك لأنك ماحلتكش حاجة تتسرق أصلا" أما ان كنت مثلا أقيم خارج مصر كان سيقول "ياعم انت عايش برا مصر زى الباشا ومش حاسس باللى بيحصل فالبلد ومصر بالنسبة لك ترنسيت ... وطالما ان فلوسك جاية من برا مش هاتفرق معاك إذا ولع جوا" أما ان كنت غير متزوج وليس عندى أسرة وأطفال أعولهم كان سيقول لى "يا عم انت ماواراكش بيت عاوز مصروف ولا عيل عاوز اللى يربيه ويصرف عليه ولا فى فرقبتك إلتزمات تقيد حركتك عشان كدا انت مستبيع ومش فارق معاك حاجة" أما إن كنت مثلا طالب جامعى كان سيقول لى "يابنى انت مش فارق معاك حاجة عشان انت لسه بتاخد مصروفك من بابا وماما وماتعرفش القرش بييجى ازاى" أما ان كنت مثلا من المنتمين للاخوان أو حتى من المتعاطفين معهم كان سيقول لى "أيوة ياعم ما انت طبعا لازم تأيد الثورة دا انتوا طلعتوا من المعتقلات على مجلس الشعب عدل وهبرتوا الهبرة الكبيرة من الطرطة" أما ان كنت مثلا موظفا فى إحدى قطاعات الحكومة كان سيقول لى "ياعم انت مش خسران حاجة مرتبك قبل الثورة هوا هواه بعد الثورة دا حتى يمكن يكون زاد و كدا كدا متثبت فالشغل بتاعك مش زى الناس الغلابة اللى شغالين فالقطاع الخاص وشركاتهم بتخسر بسبب الثورة بتاعتك وغالبا هايتسرحوا من شغلهم وشركاتهم هاتفلس" وحتى لو كنت كائن فضائى من كوكب المريخ كان صديقى سيجد لى سببا ماديا أو تصنيفا نمطيا يفسر به تأييدى للثورة والثوار ؛ كان سيستخدم كل الأسباب المعروفة - والغير معروفة - إلا سبب واحد كان سيستبعده ويتجاهله تماما ؛ فمن المؤكد أنه ما كان ليقول لى "انت بتأيد الثورة والثوار عشان هوا دا الصح وهوا دا الطريق اللى هايغير البلد" حتما ما كان ليقول ذلك ؛ فصديقى بجانب رجعيته السياسية لديه أيضا جانب من الوجودية (الوجودية بتاعت "سارتر" فاكرينها ؟ أظن انها كانت فى مادة الفلسفة فالثانوى) ؛ فصديقى لا يؤمن إلا بالمادة ويعتبر أن المادة هى المحرك الرئيسى للبشر ؛ بمعنى أنه يستبعد تماما أن يكون لدى أى شخص سبب غير مادى يجعله يؤيد الثورة ؛ كما أنه يسير كثيرا على نهج "خالف تعرف" ... ودائما يستخدم لباقته ومهاراته فالحديث ليجعل محدثه يغير رأيه ويتبنى فالنهاية رؤيته الرجعية الوجودية ......... نظرت لصديقى فى مجلسه فوجدته مازال يتحدث فقاطعته سائلا "ألا ترى أى عيوب فى نظام مبارك ؟؟؟" فرد على سريعا "بصراحة أكبر عيب فى مبارك هوا ان الأخلاق اتدهورت فى عهده" فوجدت نفسى أنفجر ضاحكا رغما عنى ؛ وبعد قليل عدت لأسأله "أتقصد أن التعليم كان سيئا وانعكس ذلك على التربية الأخلاقية ؟؟؟" فرد على قائلا "تعليم إيه ياعم ؟؟؟ الأخلاق مالهاش دعوة بالتعليم والمدارس يابنى الرك عالأب والأم ... انت مفكر لو التعليم والمدارس اتصلحت هاتفرق حاجة مع الشعب الهمجى المتخلف دا ؟؟؟" عند هذا الحد لم أستطع أن أسمع منه أكثر من ذلك ؛ فأسرعت بتغيير اتجاه الحديث بعد أن أمنت على كلامه قائلا "فعلا عندك حق الرك عالأهل" ......

 بعد كل هذا الجدال ترسخت لدى حقيقة لا جدال فيها ؛ فقد تأكدت أن التغيير فالفكر و العقول أصعب بكثـير من تغيير النظام السياسى





الأربعاء، 25 يناير 2012

قصيدة " فاروق جويدة " ... عتاب من الشهداء

"عتاب من الشهداء"
_________________________________________________



هانتْ على الأهلِ الكرامِ دمانـا
وتفرَّقت بين الرفاقِ خُـطــانــــــــــا
عُدنا إلى الميدان نسأل حلمنــــا
بكتْ الربوعُ وحزنـهــا أبكــانــــــــا
أينَ القلوبُ تضىءُ فى أرجائــهِ
وتزفُّ شعبًا فى الصمــودِ تفانـى؟‏!‏
أينَ الرفاقُ وأينَ صيحاتٌ بدت
للكون بعثًـا عاصفــــًا أحيانـــــًا؟‏!‏
أينَ الشبابُ وقدْ توحّد نبضهـــــم
وتجمّعوا فى بأسهــم إخـوانــــــا؟!
أين الحناجرُ كيف قامت صرخةً
كمْ أيقَظَت بصهيلها الفـُرســانـــا؟!
وجهُ الشهيدِ وقد تناثـرَ فى المدى
وغدا نجومًا فى دُجى دنيـــانـــــــــا
جسدٌ يحلِّق فى الأيادى سابحــا
فى حُضنٍ أمٍّ أشبعتـه حنـانــــــــا
هانتْ على الأهلِ الكـــرامِ دمــانـــــا


نامتْ على الدربِ الحزينِ جوانحٌ
وتجمّدَت خلف الرؤى أجفانــــــــا
والناسُ تسألُ: ما الذى يَبقى لنـــــا
بعد الشهادةِ موطنًـا ومكــــانـــــــا؟
يومًا غرسنا الحِلم فى أعماقنــــــا
حتى غدا فى يأسنا بُــــركانــــــا
أن نُطلِق الشمسَ السجينــــةَ بيننا
ليطلَّ صبحٌ من خريفِ صبانـــــــــا
فى ساحةِ الميـــدانِ كُنّا أمــــــــةً
وهبت رحيقَ شبابها قـربــــانــــــــا
أجسادُنا كانت تلـــوذ ببعضهــــا
حزن الترابِ يعانـــــقُ الأكفــانــــــا
يتعانقُ الدمَ الجسورِ على الثرى
كُنّا نراه كنيســــــــــةً وأذانــــــــــا
فى ساحةِ الميدانِ صلـينا معـــــا
قمنا حشودًا نرجــــــــمُ الشيطانـــــا
وتطوفُ فى الميدانِ أرواحٌ بــــدت
فوق البيــــوتِ أزاهرا وجِـنــانــــــــا
الكونُ صلَّى.. والربوع تطهـــــــــرت
من رجس عهدٍ مظـلــمٍ أعمانـــــــا
هانتْ على الأهــــــل الكرام دمانـــــــــا


هل تذكرونَ شبابنــــــــــا وصبانـــــا
والأرضُ تحضنُ بالدموعِ دمانــــا؟!
ونطوف فى صخب الشوارع لا نرى
غير الرصاص على المدى يلقانـــا
وقذائف القناص تطفئ أعينـــــــــــا
فـيتيهُ بين جنــــودهِ نشـــــــــوانـــــا
لم يرحم العينَ السجينةَ فى الأســى
رسمَ النهايةَ خســـة وهوانـــــــــا
يلقى علينا النار وهى خجولــــــــة
والنارُ ترحم بعضـهـــا أحيانــــــــــا
كُنّا نرى أن الوفاءَ ضريبـــــــــــةُ
حق لمن وهـــبَ الحيـــاةَ وعانـــــى
عُدنا إلى الميدان نســـأل: ما بـــــه؟
صرخَ الحزينُ وبؤســـــــه أدمانـــــــا
حين انتفضنا فى الشوارعِ لم يكن
سوقُ الغنائمِ مطمعـــــــا أغرانــــــــا
هانتْ على الأهلِ الكرامِ دمــانــــــــــا


أتُرى نسيتم دمعنا ودمـــــــــانــــــا
عرس تبدل بيننـــــــا أحزانــــــــــــــا
ما عادت الأيدى تصافحُ بعضهــــا
حتى خـطانا.. لم تعــدْ كخطانـــــــــا
كيفَ الدماءُ تمردت فى مهدهــــــا
وبكلِ قلبٍ مزَّقــت شريانـــــــــــــــا؟
صِرنا أمامَ الناسِ خدعة صبيــةٍ
هدموا البلاد.. وخـرَّبــوا الأوطانـــا
هانتْ على الأهلِ الكرامِ دمانـــــا


عادَ الزمانُ الوغدُ يعبثُ خلســةً
ويدور حـول دمائنــــــــا ظمآنــــــــــــا
وطنٌ يساومنا.. وعهدٌ فاجــــــــرٌ
وفسادُ طاغيةٍ.. وشعــــبٌ عــانــــــــى
وتسابقت للثأرِ عصبةُ قاتـــــلٍ
حشدوا الفلول.. وحاصروا الفرسانــا
فرعونُ فى صخب المزاد يبيعنا
ويطلُّ خلــــــف جنــــــــودهِ سكرانــــــا
وعصابةُ التدليسِ ترتعُ حولَــهُ
وتـشيـّـــــدُ من أشلائنا التّيجـــــــانـــــــا
فإذا انتشى الفرعونُ قام رجالُـه
سحلوا النساء.. وضاجعوا الشيطـانـــا
ركْـبُ العبيدِ الساجدين بعرشــهِ
ألغَوا الأذان.. وحاصــــــــروا القـــرآنا
وعلى بقايا النهرِ جاعت أمــــةٌ
كم أطعمـــــــــتْ من خيرهـــــــا بلدانــــا
نهبوا ثمار الأرضِ.. باعوا سرَّها
الذئبُ يعوى.. واللصوص حزانــــــــــى
تتنكّرون لمن أضاءوا ليلـَـكـــــــم
وتبايعون الإفك والبُهتـــــــــانــــا!
من شردوا وطنـًا وباعوا أمــــــــةً
وتواطأوا فى غيّهـــم أزمانــــــــا
هانتْ على الأهلِ الكرامِ دمانا


هل تذكرونَ دموعنا ودمـــــــانــــــــا
الركبُ ضلَّ.. فمن يُعيدُ خُـطانا؟!
الموتُ لمْ يهزم جســــارةَ عمرنـــــــــا
لكن ظُلم الأهـــــــلِ قدْ أشقانــــــا
حتى الأماكــن هاجـــرتْ من حلمهـــا
وتبدلــت أشواقــهـــــا هجرانــــــا
فى كلِّ ذكرى سوف نرفعُ رأسنــــــا
لنرى المفــارقَ كلَّهــا ميدانــــــــا
فإذا غفا يومًا وشـــــــاخ شبابــُـــــــهُ
أو عادَ يشكو العجزَ والنسيـانـــــا
وأفاقَ فى صخبِ الجموعِ وقدْ رأى
فرعون آخــر يجمــــــــــع الكُهّـــــــانـا
سيطلُّ من صمت الحناجر يمتطـــى
زمن الإباء.. ويعلـــــنُ العصيـــانـــــــا
ويعودُ يحكى عن شبابٍ ثائــــــــرٍ
وهبَ الحيـــاةَ لشعبــنـــــــــا وتفـانـــى
كانوا رجالاً فى الخَطوب وأنجمًا
كالبرقِ لاحتْ فى ظلامِ سمــانا
كانوا دعاءَ الأمِّ.. فرحة عيدهــــــا
ونقاءَ أرضً أنجبـت فـرسانــــــــــــــا
فإذا خَـبتْ فى ليلكم ذكـرانـــــــــــا
وغدا الشبابُ محاصرا.. ومُهانــــــــا
لا تسألوا كيف الرفاق تفرَّقــــــوا
ولتسألوا: من فى الضمائر خــــــــانا؟
عودوا إلى الميدان.. قوموا فتِّشوا
عن عاشقٍ فى حُبه كـَــمْ عانـــــــــــى
هو لم يكن جيلاً طريداً ضائعـــاً
بَلْ كانَ شمسًا أيْقَظَـــــــــــتْ أوطانـــــــــــــا
مَنْ قامَ يومًا يرفضُ الطُغيــــانــا
لا.. لن يكـــونَ منافقًــــــا وجبـــــانـــا

_________________________

الشاعر الكبير فاروق جويدة




قصيدة " تميم البرغوثى" الجديدة

رئيسنا واحد شهيد يحكم من التحرير
_____________________________
____________________





منصورة يا مصر مش بجميلة العسكر


إحنا اللى روَّحنا بدرى بس مش أكتر


قول للى روَّح عشان يرتاح فما ارتاحشى


الراحة كلِّ ما تستعجلها تِتْأخَّر


واللى ها ينزل ها يُحكُم لو ما روَّحشى


قصر الرياسة بْبلاش، بسِّ انتَ مستخسر


●●●


قصر الرياسة ما فيش بينك وبينه كتير


فيه سلك شائك وكيس رملة وكُشْكِ غفير


لو جيت لوحدك، ها يضرب، والرقاب ها تطير


وان رحت مليون، ها يهرب، وانتَ تبقى أمير


رئيسنا واحد شهيد، يحكُم من التحرير


قصر الرياسة الجديد بِصينِيَّة ومدوَّر


●●●


منصورة يا مصر بجميلة خيام الخيش


بيحرقوها عشان تمشى ولا تمشيش


يا مصر عُمْرِ ما فيه ثورة تقوم بِشْوِيش


المُلك ده اللى ادِّتيه للعسكرى بقشيش


حقّ العيال اللى ماتوا فى طابور العيش


وبنت عَرّوها فى الشارع وشيخ أزهر


●●●


يا حاجّة ياللى بتقرى الكفّ والفناجيل


إقرى وشوش البشر، ع النصر تلقى دليل


ده حقنا ف مصر مش ها نسيبه للتساهيل


وان قلتى نصبر يومين، يبقى ها نصبر جيل


أجلنا قبل كدة فادنا بإيه التأجيل


رَمْيِ الجُثَثْ فى الزبالة فى الضُّحَى الأحمر


●●●


منصورة يا مصر بجميلة ولاد وبنات


بجميلة اللى انحبس بجميلة اللى مات


بجميلة التريَقَة والضحك فى الأَزَمات


ودم فوق الرصيف ناقش سُوَر وآيات


يا مصر ياللى انتصرتى فْ جُمعِتين وِتَلات


نفس العَدُو هُوَّه هُوَّه بَسِّ متنكَّر


●●●


الصبح طالع لِقِى دبابة فوق راسُه


مربَّعة فوق دماغُه وكاتمة أنفاسُه


والشرق مقفول وخِتْمِ النِّسر ترباسُه


قام خبَّا شمسُه ووزَّعها على ناسُه


على العيال اللى ماتوا غدر وانداسوا


بقى شرق فى كل جسم، وشمس بتنوَّر


●●●


الشعب واقف وصدره للرصاص عريان


والدولة خايفة ولافَّة نفسها ف جدران


وزى ما الحاوى ممكن يلدغُه التعبان


شوفوا حيطان السجون بتلفّ ع السجان


والفالح اللى بيتهوَّر على النسوان


ما شفناهوش ع الحدود يا ناس بيتهوَّر


●●●


كان للفراعنة إله قرد وإله تمساح


وللإله كهنة وعسكر يقف بسلاح


وخزنة متقفِّلة بالضبة والمفتاح


وقصر يشبه قصور الجمهورية براح


يا عينى ع الآلهة بقوا فرجة للسياح


ياللى بنسر وسيفين فرحان ومتكبَّر


●●●


الشمس تُدعى الغزالة فى اللغة فاعلم


وبالغزالة المضيئة فى السما باحلم


غزالة ممكن تبيِّن طبعها الوحشي


ما تغرّكمش الأسامى ورقِّة المبسم


دى شمس واللى يِقَيِّدها ما يفلحشي


ومصر حالفة، ها تتحرر، هاتتحرر

_____________________

تميم البرغوثى

الأربعاء، 18 يناير 2012

ملاحظات حول شهادة الأستاذ هيكل


بعد أن تابعنا جميعا ما نشر من كتاب الأستاذ هيكل الجديد بالاضافة طبعا للوثيقة الخطيرة التى نشرتها الصحف المصرية نقلا عن الأستاذ هيكل ؛ راودتنى بعض الخواطر وعدت بالزمن للوراء فى محاولة لإعادة تفسير مجريات الأحداث ؛ وكانت لى بعض الملاحظات :-

- الرئيس السادات كان يحتاج مبارك نائبا له لفترة من الوقت بعدها يقوم بالإطاحة به ويجد الأنسب خاصة أن السادات لن يغلب فى إيجاد المبررات للإطاحة به ؛ أى أن السادات كان يعلم تمام العلم أن مبارك غير جدير بأن يكون نائبا له لكنه أراد تأمين النظام فى ظروف حساسة و«التأمين» قضية مهمة فى تلك المرحلة بكل ما فيها من تحولات قد لا يستوعبها كل الناس بالسرعة الواجبة ؛ وهناك قيادات فالجيش لم تفهم بعد سياسته فى «عملية السلام» ومقتضياتها ؛ بالاضافة لعناصر فالجيش لايزالوا موالين لـ«مراكز القوى» و متعاطفين مع «الفريق سعد الشاذلى» ؛ ومبارك أظهر إستعدادا عنده يجعله مهيأ للمضى «وراء حدود الواجب» ؛ أى تنفيذ الواجب حتى بالزيادة عليه بما ليس منه إذا طلب منه ذلك واقتضت الأسباب ؛ والسادات قد اختبر قدرة مبارك على الفعل وإستوثق منه ؛ وبذلك ترسخ لديه أن مبارك أنسب من باقى قادة الجيش خصوصا فى هذه المرحلة ؛ فالسادات لم يختاره على أساس دور متفوق على غيره فى حرب أكتوبر وإنما كان الولاء الشخصى مطلبه الأول ؛ وبمبدأ مكافيلى "الضرورات تبيح المحذورات" ورطنا الرئيس السادات فى 30 عام جنى الشعب المصرى ويلاتها و مازال ...

- الآن تكشفت الحقائق و يعرف السبب فى معاداة النظام الإسلامى "السابق" فالسودان لمبارك و تبنيه للمجموعات الإسلامية المصرية المتشددة (الجهاد والجماعة الإسلامية) و إيجاد مأوى لها فالسودان بل و تمويل عملية الإغتيال – الفاشلة - ضد مبارك فى أديس أبابا عام 1993 ؛ فحسنى مبارك كان اليد الخفية التى دبرت إرسال الهدية الملغومة للإمام «الهادى المهدى» "زعيم الأنصار فالسودان" والتى أودت بحياته ؛ لقد دمر هذا التصرف العلاقات بين البلدين ... 

- قصة عملية إغتيال الامام المهدى ومساندة الرئيس جعفر النميرى فى مواجهة التمرد على سلطته بقيادة الإمام تفسر لنا أيضا سر العلاقة القوية بين السادات والنميرى ؛ وإذا راجعنا التاريخ سنجد أن النميرى هو الرئيس العربى الوحيد الذى لم يقاطع السادات بعد زيارته التاريخية للقدس وتوقيع معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية ؛ وكان هو أيضا الرئيس العربى الوحيد الذى حضر جنازة الرئيس السادات ؛ وجدير بالذكر أن النميرى كان من المتواجدين فالمنصة يوم اغتيال السادات ...

- أخبرنا الأستاذ هيكل عن قصة عملية إغتيال الامام المهدى كما سجلها السيد سامي شرف لكنه لم يخبرنا عن رد فعل الرئيس عبد الناصر تجاه المتورطين !!! وماذا كان تصرفه معهم ؟؟؟ خاصة مع حتمية إفتراض تورط السادات – نائب الرئيس فى هذا الحين – فى تلك العملية ؛ أليس السكوت علامة الرضا ؟؟؟ والله أعلم ...

____________________________________
المصدر :-
مقدمة كتاب "مبارك و زمانه ... من المنصة إلى الميدان"

http://shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=15012012&id=a7015b61-0884-4c31-a091-3bb25f3f3d63

http://shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=17012012&id=0af4abc7-aa83-48c5-b2c0-52ef0f806958





الاثنين، 16 يناير 2012

مبارك وزمانه ... من المنصة إلى الميدان



نشرت صحف مصرية مقدمة كتاب الاستاذ محمد حسنين هيكل ( مبارك وزمانه ...من المنصة الى الميدان ) وقد احتفت وسائل الاعلام بالكاتب والكتاب ؛ و ينتظر صدور الكتاب خلال الايام القادمة
 
وكانت المقدمة كالتالى
 
                                    ( ملاحظة )

" لم ألزم نفسى طوال هذه الصفحات بأوصاف للرئيس «حسنى مبارك» من نوع ما يرد على الألسنة والأقلام منذ أزيح عن قمة السلطة، وإنما استعملت الإشارات العادية طالما أن الرجل لم يُحاكَم، ولم يُحْكَم عليه.

ومع أن «مبارك» وصل إلى قاعة محكمة ــ ممددا على سرير طبى دخل به إلى زنزانة حديدية ــ فإن التهم التى وُجهَت إليه لم تكن هى التهم التى يلزم توجيهها، بل لعلها الأخيرة فيما يمكن أن يوجَّه إلى رئيس دولة ثار شعبه عليه، وأسقط حكمه وأزاحه.

والمنطق فى محاكمة أى رئيس دولة أن تكون محاكمته على التصرفات التى أخل فيها بالتزامه الوطنى والسياسى والأخلاقى، وأساء بها إلى شعبه، فتلك هى التهم التى أدت للثورة عليه.

أى أن محاكمة رئيس الدولة ــ أى رئيس وأى دولة ــ يجب أن تكون سياسية تثبت عليه ــ أو تنفى عنه ــ مسئولية الإخلال بعهده ووعده وشرعيته، مما استوجب الثورة عليه، أما بدون ذلك فإن اختصار التهم فى التصدى للمظاهرات ــ قلب للأوضاع يستعجل الخاتمة قبل المقدمة، والنتائج قبل الأسباب، ذلك أنه إذا لم يظهر خروج «مبارك» على العهد والوعد والشرعية، إذن فقد كان تصديه للمظاهرات ممارسة لسلطته فى استعمال الوسائل الكفيلة بحفظ الأمن العام للناس، والمحافظة على النظام العام للدولة، وعليه يصبح التجاوز فى إصدار الأوامر أو تنفيذها ــ رغبة فى حسم سريع، ربما تغفره ضرورات أكبر منه، أو فى أسوأ الأحوال تزيدا فى استعمال السلطة قد تتشفع له مشروعية مقاصده!!

وكذلك فإنه بعد المحاكمة السياسية ــ وليس قبلها ــ يتسع المجال للمحاكمة الجنائية، ومعها القيد والقفص!!
بمعنى أن المحاكمة السياسية هى الأساس الضرورى للمحاكمة الجنائية لرئيس الدولة، لأنها التصديق القانونى على موجبات الثورة ضده، وحينئذ يصبح أمره بإطلاق النار على المتظاهرين جريمة يكون تكييفها القانونى إصراره على استمرار عدوانه على الحق العام، وإصراره على استمرار خرقه المستبد لعهده الدستورى مع الأمة!!

ومن هذا المنطق فإننى لم أستعمل فى الإشارة إلى «مبارك» أوصافا مثل «المخلوع»، أو «المطرود»، أو حتى «السابق»، وإنما استعملت على طول سياق هذه الصفحات ما هو عادى من الإشارات.

وعلى أى حال فإنه من حق من يشاء ــ إذا شاء ــ أن ينزع إشارات استعملتها بمنطق ما قدمت، وأن يضع بدلها «المخلوع» و«المطرود» أو«السابق»!!

أردت بهذه الملاحظة أن أطرح مبكرا «وجهة نظر» ولا أكثر، وحتى لا يأخذ علىَّ أحد «تهمة أدب يتزيد»، أو «تمسك بأصول» أسقطتها الدواعى!!

                                     ******
                                     ( مقدمة )

بدأت التفكير فى هذه الصفحات باعتبارها مقدمة لكتاب تصورت أن أجمع داخل غلافه مجمل علاقتى بالرئيس «حسنى مبارك»، وقد كانت علاقة محدودة وفاترة، وفى كثير من الأحيان مشدودة ومتوترة، وربما كان أكثر ما فيها ــ طولا وعرضا ــ لقاء واحد تواصل لست ساعات كاملة، ما بين الثامنة صباحا إلى الثانية بعد الظهر يوم السبت 5 ديسمبر 1981 ــ أى بعد شهرين من بداية رئاسته ــ وأما الباقى فكان لقاءات عابرة، وأحاديث معظمها على التليفون، وكلها دون استثناء بمبادرة طيبة منه. لكن الواقع أن الحوار بيننا لم ينقطع، وكان صعبا أن ينقطع بطبائع الأمور طالما ظل الرجل مسيطرا على مصر، وظللت من جانبى مهتما بالشأن الجارى فيها، وعليه فقد كتبت وتحدثت عن سياساته وتصرفاته، كما أنه من جانبه رد بالتصريح أو بالتلميح، وبلسانه أو بلسان من اختار للتعبير عنه أو تطوع دون وكالة.
وقد تراكم من ذلك كثير مكتوب مطبوع، أو مرئى مسموع، وفكرت أن أجعله سجلا وافيا ــ بقدر الإمكان ــ لحوارات وطن فى زمن، ولعلاقة صحفى مع حاكم ومع سلطة فى الوطن وفى الزمن!!
لكنى رُحت أسأل نفسى عن الهدف من جمع هذا السجل، ثم ما هو النفع العام بعد جمعه؟!!
ــ وبداية فقد ورد على بالى أن تسجيل ما جرى فى حد ذاته قد يكون وسيلة إلى فهم مرحلة من التاريخ المصرى المعاصر ما زالت تعيش فينا، وما زلنا نعيش فيها!!
ــ ثم ورد على بالى أن كثيرا من قضايا ما جرى ما زالت مطروحة للحوار، وبالتالى فالتسجيل سند للوصل والاستمرار.
ــ ثم ورد على بالى أن بعض الملامح والإشارات فى سياق ذلك الحوار ربما تكون مفيدة فى التعرف أكثر على لغز رجل حكم مصر، وأمسك بالقمة فيها ثلاثين سنة لم يتزحزح، وتغيرت فيها الدنيا، وظل هو حيث هو، لا يتأثر.
وذلك لابد له من فحص ودرس!!

وتركت خواطرى تطل على كل النواحى، ثم اكتشفت أن الاتجاهات تتفرع وتتمدد ــ لكن الطرق لا تصل إلى غاية يمكن اعتبارها نقطة تصل بالسؤال إلى جواب.
وعُدت إلى ملفاتى وأوراقى، ومذكراتى وذكرياتى، وبرغم آثار كثيرة وجدتها، ومشاهد عادت إلىَّ بأجوائها وتفاصيلها، فقد طالعنى من وسط الزحام سؤال آخر يصعب تفاديه ــ مجمله:
ــ ماذا أعرف حقيقة وأكيدا عن هذا الرجل الذى لقيته قليلا، واشتبكت معه ــ ومع نظامه ــ طويلا؟!!
والأهم من ذلك:
ــ ماذا يعرف غيرى حقيقة وأكيدا عن الرجل، وقد رأيت ــ ورأوا ــ صورا له من مواقع وزوايا بلا عدد، لكنها جميعا لم تكن كافية لتؤكد لنا اقتناعا بالرجل، ولا حتى انطباعا يسهل الاطمئنان إليه والتعرف عليه، أو الثقة فى قراره.
بل لعل الصور وقد زادت على الحد، ضاعفت من حيرة الحائرين، أو على الأقل أرهقتهم، وأضعفت قدرة معظمهم على اختيار أقربها صدقا فى التعبير عنه، وفى تقييم شخصيته، وبالتالى فى الاطمئنان لفعله؟!!
وإذا أخذنا الصورة الأولى للرجل كما شاعت أول ظهوره، وهى تشبهه بـ «البقرة الضاحكة» La vache qui rit ــ إذن فكيف استطاعت «بقرة ضاحكة» أن تحكم مصر ثلاثين سنة؟!!
وإذا أخذنا الصورة الأكثر بهاء، والتى قدمت الرجل إلى الساحة المصرية والعربية بعد حرب أكتوبر باعتباره قائدا لما أطلق عليه وصف «الضربة الجوية» ــ إذن فكيف تنازلت «الأسطورة» إلى تلك الصورة التى رأيناها فى المشهد الأخير له على الساحة، بظهوره ممددا على سرير طبى وراء جدران قفص فى محكمة جنايات مصرية، مبالغا فى إظهار ضعفه، يرخى جفنه بالوهن، ثم يعود إلى فتحه مرة ثانية يختلس نظرة بطرف عين إلى ما يجرى من حوله، ناسيا ــ أنه حتى الوهن له كبرياء من نوع ما، لأن إنسانية الإنسان ملك له فى جميع أحواله، واحترامه لهذه الإنسانية حق لا تستطيع سلطة أن تنزعه منه ــ إلا إذا تنازل عنه بالهوان، والوهن مختلف عن الهوان!!
إذا أخذنا صورة الرجل كما حاول بنفسه وصف عصره، زاعما أنه زمن الإنجاز الأعظم فى التاريخ المصرى منذ «محمد على» ــ إذن فكيف يمكن تفسير الأحوال التى ترك مصر عليها، وهى أحوال تفريط وانفراط للموارد والرجال، وتجريف كامل للثقافة والفكر، حتى إنه حين أراد أن ينفى عزمه على توريث حكمه لابنه، رد بحدة على أحد سائليه وهو أمير سعودى تواصل معه من قديم، قائلا بالنص تقريبا:
ــ «يا راجل حرام عليك»، ماذا أورِّث ابنى ــ أورثه «خرابة»؟!!
فلم يسأله سامعه متى وكيف تحولت مصر إلى «خرابة» حسب وصفه!!
فهل تولى حكمها وهى على هذا الحال، وإذا كان ذلك فماذا فعل لإعادة تعميرها طوال ثلاثين سنة، وهذه فترة تزيد مرتين عما أخذته بلاد مثل الصين والهند والملايو لكى تنهض وتتقدم!!
ثم إذا كان قد حقق ما لم يستطعه غيره منذ عصر «محمد على» ــ إذن فأين ذهب هذا الإنجاز؟!! ــ وكيف تحول ــ تحت نظامه إلى «خرابة»؟!! ــ ثم لماذا كان هذا الجهد كله من أجل توريث «خرابة»، خصوصا أن الإلحاح عليه كان حقل الألغام الذى تفجر فى وسطه نظام «الأب» حطاما وركاما، ما زال يتساقط حتى هذه اللحظة بعد قرابة سنة من بداية تصدعه وتهاويه!!
وكيف؟!! ــ وكيف؟!! ــ وكيف؟!!
وهنا فإن التساؤل لا يعود عن الصور، وإنما ينتقل إلى البحث عن الرجل ذاته!!

وعلى امتداد هذه الصفحات فقد حاولت البحث عن الرجل ذاته قبل النظر فى ألبوم صوره، وعُدت إلى ملفاتى وأوراقى، ومذكراتى وذكرياتى عن «حسنى مبارك»، ثم وقع بمحض مصادفة أننى لمحت قصاصة من صحيفة لا أعرف الآن بالتحديد ما دعانى إلى الاحتفاظ بها ثلاثين سنة، لكنى حين نزعتها من حيث كانت وسط المحفوظات ــ رُحت أقرؤها وأعيد قراءتها ــ متفكرا!!
وكانت القصاصة مقالا منشورا فى جريدة «الواشنطن بوست» فى يوم 7 أكتوبر 1981، وفى بداية المقال جملة توقفت عندها، وفى الغالب بنفس الشعور الذى جعلنى أحتفظ بها قبل ثلاثين سنة!!
والجملة تبدأ بنقل «أن الأخبار من القاهرة بعد اغتيال الرئيس «السادات» تشير إلى أن الرجل الذى سوف يخلفه على رئاسة مصر هو نائبه «حسنى مبارك» ــ ثم تجىء جملة تقول بالنص: «إنه حتى هؤلاء الذين يُقال إنهم يعرفون «مبارك» هم فى الحقيقة لا يعرفون عنه شيئا».
والآن بعد ثلاثين سنة وقفت أمام هذه الجملة، وشىء ما فى مكنونها يوحى بأنها «مفتاح» المقال كله، لأننا بالفعل أمام رجل رأيناه كل يوم وكل ساعة، وسمعناه صباح مساء، واستعرضنا الملايين من صوره على امتداد ثلاثين سنة، لكننا لم نكن نعرفه ولا نزال!!
كان سؤالى التالى لنفسى:
ــ إذا لم تكن للرجل صورة معتمدة تؤدى إلى تصور معقول عنه، فكيف أتفرغ شهورا لجمع ونشر ما سمعت منه مباشرة خلال مرات قليلة تقابلنا فيها، أو ما قلته له بطريق غير مباشر ــ أى بالحوار والكتابة والحديث ثلاثين سنة؟!
وترددت، لكننى بإلحاح أن تلك ثلاثين سنة بأكملها من حياة وطن، وهى نفسها ثلاثين سنة من المتغيرات والتحولات فى الإقليم وفى العالم، قادنا فيها رجل لا نعرفه إلى مصائر لا نعرفها ــ فإن زمان هذا الرجل يصعب تجاوزه أو القفز عليه مهما كانت الأسباب، مع أن هناك أسبابا عديدة أبرزها أن التاريخ لم ينته بعد كما كتب بعض المتفائلين من الفلاسفة الجُدد»!!
ثم كان أن توصلت إلى صيغة توفيق بين هذه الاعتبارات:
من ناحية تصورت أن أحاول فى مقدمة مستفيضة لهذا الكتاب، أن أترك ما تحويه ملفاتى وأوراقى، ومذكراتى وذكرياتى ــ تنقل بعض الخطوط والألوان عن «حسنى مبارك» ــ معترفا مقدما ومسبقا أن هذه المقدمة مهما استفاضت ليست كافية لإظهار لوحة تستوفى شروط المدرسة الكلاسيكية لفن الرسم، لكنها ــ كذلك خطر لى ــ قد تستطيع مقاربة شروط مدرسة الرسم التعبيرى.

معنى أنها قد تكون صورة لا تحاول تقليد مدرسة «ليوناردو دافنشى» أو «مايكل أنجلو» وحيا موصولا بالطبيعة، وإنما تحاول تقليد مدرسة «رينوار» و«مانيه» ــ تلمس موضوعها بمؤثرات أجوائه الإنسانية، وتشير إلى الطبع والشخصية مما يبلغه الحس ولا يطوله البصر!!
وراودنى على نحو ما أن الجميع ــ ربما ــ أخطأوا فى تصوير الرجل.
لجأوا إلى الكاميرا تلتقط الصورة ومضا بالضوء، بينما كان يجب أن يلجأوا إلى الفرشاة واللون رسما بالزيت، ثم إنهم كرروا الخطأ حين اختاروا المدرسة الكلاسيكية فى الفن، بينما كان يجب أن يلجأوا للمدرسة التأثيرية!!
وأظن أن ذلك ما حاولت بلمسات ألوان على مساحة ورق، تنزل عليها فرشاة زيت تشبعت به خفيفة وكثيفة، تومئ بالظل أو بالفراغ، وتوحى بأكثر مما تصيح، وتعبر بقدر ما هو مستطاع فى زمن لم يعد فيه متسع لرقة «رينوار»، أو خيال «مانيه».

ولقد ساءلت نفسى كثيرا عن السبب الذى دعا الجميع إلى هذا التقصير فى البحث عن الرجل ذاته، وكيف تراكم التقصير فى التعرف عليه ثلاثين سنة؟!!
وكان التفسير متعدد الأسباب وكلها منطقية، لكنها تاهت فى الزحام:
ــ بعض الناس تلقفوه حين وجدوه، ولم يتوقفوا أمام شخصيته وهى تقفز من المنصة إلى الرئاسة، فقد أخذهم هول ما وقع على المنصة، وتمسكوا بمن بقى بعده!!
ــ وبعضهم أخذه الظاهر من الرئيس الجديد واستخف بما رأى، واعتبره وضعا مؤقتا لعبور أزمة، وبالتالى فالإطالة فى تحليله إضاعة للوقت!!

ــ وبعضهم شدته الوقائع التى ظهر الرجل طرفا فى معمعانها، واستطاعت الصورة العامة للأحداث الكبرى التى دهمت المنطقة أن تستوعب دوره ضمن الأدوار، ومع قيمة مصر فإن الجالس على قمتها التحف برايتها، وساعده الطامعون فى إرث الدور المصرى على تحويل هذه الراية إلى برقع يستر ملامح متغيرة للسياسة المصرية!!
ــ وبعضهم خصوصا من أجيال الشباب نشأوا وشبوا ولم يعرفوا رئيسا غيره، وبالتالى فإن أجيالا تعوَّدت عليه، وتأقلمت بالتطبيع على وجوده.

ــ وبعضهم رغبة فى راحة البال تجاهل السؤال عن الرجل، واستعاض عنه بقبول جواب معبأ يصنعه إعلام يأتمر بالغلبة ــ غلبة السلطة ــ أو غلبة الثروة فى مصر، وكان لسوء الحظ إعلاما فقد تأثيره، وإن بقى هديره!!
ولعل.. ولعل.. وكلها علامات استفهام تحار فيها الظنون، لكن الواقع قبل وبعد أى شىء أن الرجل بقى على القمة فى مصر ثلاثين سنة!!

وأستأذن أن أؤكد وبوضوح أن هذه الصفحات وإن طالت عما توقعت ــ ليست قصة حياة، ولا هى سيرة رجل، وإنما هى لمحات قصرتها على ما رأيت بنفسى أو عرفت، وذلك هو عذرى ــ واعتذارى ــ عن استعمال صيغة المتكلم فى بعض الفصول، وعذرى ــ واعتذارى أيضا ــ عن استعمال ألفاظ وعبارات بالعامية نقلتها كما سمعتها طلبا لدقة التعبير.
وهنا أضيف أننى لم أسعَ إلى لقاء أحد ممن عملوا مع «مبارك» عن قُرب أو عايشوه، فتلك مهمة غيرى إذا حاول كتابة سيرته أو تتبَّع دوره.
ولقد راعنى ــ وأظنه راعَ غيرى ــ أن كثيرين من هؤلاء الذين عملوا معه ومباشرة، كانوا أوائل من انقلبوا عليه، والمعنى هنا أن الرجل لم يرتبط بعلاقات إنسانية عميقة مع محيطه، ولا تواصل بولاءات متبادلة أو حميمة مع الذين اقتربوا منه وخالطوه، وإنما كانت علاقاته بهذا المحيط ــ على الأرجح ــ خدوشا على السطح لا يتبقى منها غير ندوب على الجلد تشحب وتزول بعد أيام أو أسابيع لا أكثر!!
وتلك ظاهرة لافتة كذلك!!

ذلك هو الجزء الأول من هذا الكتاب!!
بقى الجزء الثانى، وذلك هو الجزء الأكبر فى الكتاب، وهو يشمل ما جمعت مما كتبت على الصفحات أو قلت على الشاشات، وكله مرتبط بقضايا العصر عرضا وتحليلا ــ شرحا وتفصيلا، وظنى أنه وقد امتد على مساحة ثلاثين سنة، قد يعوض بالكلمات بعض ما لم تستطع أن تستوفيه الألوان!!

وأملى ــ ربما ــ أن شيئا فى هذا كله قد يرسل شعاعا يكشف ولو لمحة من تلك الفجوة المجهولة التى أشارت إليها جريدة «واشنطن بوست» منذ اليوم الأول لعصر «مبارك»، حين قالت «إن الذين يظنون أنهم يعرفون الرجل هم فى الواقع لا يعرفون عنه شيئا»!!
وذلك ــ مع الأسف صحيح ــ فلقد فاجأت هؤلاء العارفين بدايته، وفاجأتهم نهايته!!

يتبقى أن هناك سؤالا لابد أن يصل إلى آذان الجميع: كيف استطاع هذا الرجل أن يجلس على رئاسة مصر ثلاثين سنة؟! ــ ثم كيف استطاع شعب مصر أن يصبر ثلاثين سنة؟!!

وبالنسبة لـ:«كيف» الأولى فالجواب على سؤالها: أنه حظه طالما استطاع البقاء!!

وأما «كيف» الثانية فجواب سؤالها : أنها مسئولية الشعب المصرى كله لأنه هو الآخر استطاع ــ استطاع بالصبر والصمت ــ وإظهار السأم والملل أحيانا ــ حتى جاءت ثورة 25 يناير 2011، وعندما لم يعد الصبر قادرا ، ولا الصمت ممكنا ، ولا الملل كافيا"

الخميس، 12 يناير 2012

نصـــــــف ثـــــــورة



لا تصمت فقد ولى زمن الصموت


تكلم واصرخ ؛ فالموت مرادف للسكوت


و كم من أعوام أحرقتها ؛


وأنت مكبل العقل ومكبوت


علاما تخشى وممن تخاف ؟؟؟


وقد أسقط هتافك الطاغوت


سلاح الكلمة أمضى من السيف ؛


يبتر العضو الفاسد ؛


قبل أن يتفشى المرض فى سائر الجسد ...


ياعزيزى هذا زمن الشعوب


تقتنص فيه حقها المسلوب


وتهدم عروش الجلادين


وتلفظ حكامها الظالمين


فقد حان لدولة القهر أوان الغروب ...


فسر على درب ثورتك


حتى تحقق غايتك ؛


حريتك ؛ كرامتك


حتى لا تبكى على اللبن المسكوب


فكم من أنصاف ثورات أدمت للطامحين قلوب


فإنهل من النهر قبل أن يحل النضوب


حلمنا بالتغيير حان أوانه المحسوب


التغيير منقذنا ؛


من السقوط فى أوحال الخروج من التاريخ


مصر التى شيدت من التاريخ صروحا ؛


أخرجتها ثلاثة عقود من التاريخ


 ثلاثة عقود أشد وطأة من الاستعمار والحروب


فيا حسرة على الوطن المصلوب


صلبوك وأخصوك يا وطنى ؛


و ملأ الفساد رداءك بالثقوب


ضاعت بوصلتك ؛ وتهت بين الدروب


و ثقلت على قلبك جبال الكروب


و حفرت الهموم يا وطنى فى وجهك الندوب


لكن طميك لم يفقد خصوبته ؛


و أنبت جيلا موهوب ؛ 


 لكن أرضك لم تصير عاقرا ؛


وأنجبت شبابا ليس على أمره مغلوب


وحين فتح الميدان قلبه لعشاقك يا وطنى ؛


لبى العاشقون نداء المحبوب


وافترشت الورود أرض الميدان


فصار أروع بستان


وإرتوى بأطهر دماء ؛


نزفها الشهداء قربانا للحرية مطلوب


______________________


(محمد الملاح)


سبتمبر 2011
 6 أكتوبر - الجيزة - مصر



الثلاثاء، 3 يناير 2012

خواطر على هامش 2011


2011 خلصت يا جدعان !!! وبدأت سنة جديدة ربنا يجعلها سنة سعيدة على كل المصريين ... فالحقيقة التاريخ هايقف كتير عند سنة 2011 لأنها مش سنة عادية زى التلاين سنة اللى فاتت ؛ دى سنة حصلت فيها أحداث هاتغير شكل المنطقة العربية والعالم بشكل كامل ؛ طيب لو جمعنا كل الأحداث والمشاهد اللى حصلت وسألنا نفسنا ايه أهم مشهد فيهم ؛ وليه ؟؟؟

طبعا كل واحد فينا عنده اجابة قد تختلف عن الآخرين ؛ عشان كدا أنا هاتكلم عن نفسى ؛ بس بصراحة أنا احترت واترددت كتير قبل ماختار حدث معين لأن الأحداث كتير وكلها مهمة ؛ عموما بعد تفكير طويل اخترت أحداث يوم جمعة الغضب 28 يناير ؛ اليوم دا مستحيل أنساه أبدا لأنه كان مليان بأحداث حاسمة ؛ صحيح حصلت حاجات مؤسفة كتيره لكن دى كانت الضريبة اللى لازم ندفعها عشان التغيير ؛ وكان من الطبيعى ان النظام يستخدم كل الوسائل الممكنة (المشروعة والغير مشروعة) للحفاظ على أركانه الآيلة للسقوط ؛ فى يوم جمعة الغضب الشعب أسقط النظام وكل أدواته القمعية التى دأب على استخدامها فى مواجهة الناس ؛ فاليوم دا اتحقق اللى كنت بحلم وببشر بيه فى معظم كتاباتى عالبلوجر وتويتر والفيس على مدار السنتين اللى فاتو ؛ الثورة الشعبية ؛ فاليوم دا اتأكدت انها ثورة وان نظام مبارك فى طريقه للسقوط ؛ فاليوم دا ازداد يقينى وإيمانى بكل اللى قرأته عن تاريخ البلد دى وشعبها وعن الشخصية المصرية ؛ فاليوم دا اتأكدت انه لابد من يوم معلوم تترد فيه المظالم أبيض على كل مظلوم واسود على كل ظالم ... بعد مرور ما يقارب العام على جمعة الغضب مازلت على ايمانى بالثورة وحتمية التغيير ؛ صحيح اخوانا البعدا استطاعوا تشويه الثورة فى عيون الكثيرين مستغلين فى ذلك حماقة بعض الثوار واضمحلال الثقافة السياسة لدى فئات كثيرة من المجتمع بالاضافة طبعا لمؤامرات الثورة المضادة إلا إنى مازلت مؤمن بحتمية التغيير ؛ الثورة بالنسبة ليا مش مجرد مظاهرات ؛ الثورة اللى بتكلم عنها هيا التغيير الشامل اللى يشارك فيه كل المصريين ؛ التغيير اللى يوصل بلدنا للمكانة اللى تستحقها ؛ صحيح فى حاجات كتيرة مخيبة للآمال وفى فئات معينة ركبت الثورة وبتحاول تجنى ثمارها وفى كمان "خلطبيطا" فى المشهد السياسى ؛ إلا إنى برضه متفائل و واثق ان اللى جاى أحسن ان شاء الله ؛ لكن اللى تاعبنى فالفترة الحالية هوا حملة التشويه الموجهة للثورة و رموزها و أفكارها ؛ ياااه للدرجة دى بننسى بسرعة ؟؟ كان عنده حق نجيب محفوظ لما قال ((آفة حارتنا النسيان)) فعلا احنا بننسى بسرعة ؛ نسينا حال البلد فى ظل نظام مبارك وحزبه الواطى الفاسد ؛ نسينا نزيف الفساد اللى كان بيخسر الدولة والشعب أكتر من خساير الحروب ؛ نسينا لجنة السياسات وحديد عز ؛ نسينا آلاف المصريين اللى ماتوا بسبب الاهمال الحكومى وتدنى قيمة الانسان المصرى الغلبان ؛ نسينا الدويقة والعبارة وقطار الصعيد ؛ نسينا الغاز اللى راح اسرائيل واحنا بنموت بعض على أنبوة غاز ؛ نسينا تدنى التعليم والبحث العلمى و سياسات نشر الجهل المتعمد ؛ نسينا الاستيلاء على أراضى الدولة وتوزيعها على شلة المنتفعين وأعضاء حزب "مع الرصين" مبارك إلى الأبد ؛ نسينا الانتخابات اللى كان بيصوت فيها الميتين وهما فى قبرهم والمهاجرين وهما فى مهجرهم بقدرة قادر وبتنفيذ أمن الدولة ؛ نسينا مجلس فتحى سرور بتاع موافقون موافقة ؛ نسينا أمن الدولة وزنازينهم ؛ نسينا اهدار المليارات على مشروعات فاشلة لم نرى لها أى عائد وانما كانت مجرد سبوبة للبشوات وباب للنهب والاختلاس ؛ نسينا العشوائيات والبطالة والبلطجة اللى خلقها النظام بسياساته ؛ نسينا ونسينا ونسينا ؛ أنا ممكن أكتب مجلدات فى مساوئ وخطايا نظام مبارك بس كفاية اللى اتقال واللى الكل عارفه ؛ يبقى اللى بيقول حاليا "ولا يوم من أيامك يا مبارك" غالبا أهبل أو بيستهبل !!! صحيح الثورة لم تغير بعض تلك الأوضاع حتى الآن إلا ان ذلك لا يبرر العودة للخلف ؛ فلم يكن هناك مفر من اسقاط هذا النظام الذى تسبب فى معظم مشاكلنا أو على الأقل زاد من تفاقمها وعجز عن حلها وذلك خاصة بعد أن فشلت كل محاولات اصلاحه من الداخل وأصبح من الحتمى التخلص منه بالكامل واستبداله بنظام قادر على تلبية تطلعات الناس وتهيئة الطريق للتغيير ؛ صحيح التغيير الذى أتحدث عنه لا يتحقق بتغيير النظام السياسى فقط ولكن هذا لا ينفى حتمية تغيير النظام السياسى كبداية لوضع البلد بالكامل على طريق التغيير المنشود

اخوانا البعدا بيلزقوا فالثورة كل مصيبة تحصل فمصر وكأن من قاموا بالثورة يحكمون الآن !!! كل مشكلة حدثت بعد الثورة يسأل عنها أولا من بيده القرار ؛ ونشاط اخوانا البعدا زاد اليومين دول وعمالين يشوهوا فالناشطين السياسيين والمعارضين اللى شاركوا فالثورة وكأن الثورة قام بها الناشطين بتوع 6ابريل وحركة كفاية !!! بغض النظر عن صدق ادعاءاتهم أو كذبها الثورة صنعها الناس العاديين الغير مسيسين واللى كانت أعدادهم تصل للملايين وفى كل أنحاء البلاد بشكل مختلف عن تظاهرات الناشطين خلال الأعوام السابقة والتى كانت بالعشرات أو بالمئات على أعلى تقدير وكانت تنحصر فالقاهرة وتحديدا على سلم نقابة الصحفيين أو أمام دار القضاء العالى ؛ يعنى حتى لو طلع كل المعارضين خونة فدا مش معناه ان الثورة قام بها خونة !!!

نحن الآن فى مرحلة عصيبة قد تؤدى بنا إلى التغيير للأفضل أو إلى اعادة انتاج نظام مبارك ولكن بوجوه مختلفة ؛ والغريب أن البعض ترك العمل الجاد لانجاح التغيير اللى بنحلم بيه و كرس وقته ومجهوده لصب اللعنات على الثورة ونشر الفرقة بين الشعب وتقسيمه ما بين التحرير و العباسية !!! إذا كانت الأحداث المؤسفة بداية من مسرح البالون مرورا بمسبيرو وانتهاءا بمحمد محمود و القصر العينى تثير الغضب على من ينسبون للثورة فعلى الجميع أن يعلم ان "كل واحد بيتعلق من عرقوبه" يعنى لو فيه بلطجية فى محمد محمود والقصر العينى فهذا لا يعنى أن الثوار بلطجية ؛ لقد رأينا فالأحداث الأخيرة من يشعل النيران ويمنع محاولة اطفائها و أيضا رأينا من يسعى لاخماد الحرائق والمخاطرة بحياته لانقاذ ما يمكن انقاذه !!! فما معنى ذلك ؟؟؟ هل فكر أحد الناقمين على الثورة والثوار فى معرفة هوية المستفيد الحقيقى من تلك الفوضى ؟؟؟ هل يمكن أن يكون المواطن الغير مسيس الذى شارك فالثورة (الفئة الغالبة فالمشاركين) هو المستفيد من الفوضى ؟؟؟ هل يمكن أن يكون من ينادى بالتغيير ويسعى إليه هو المستفيد من الفوضى ؟؟؟ ان كان الناقمون على الثورة يريدوا معرفة الجانى الحقيقى فليفتشوا عن المستفيد من الفوضى ؛ أنا شخصيا أؤمن بنظرية الطرف الثالث ولكن ليس الطرف الذى أتحدث عنه هو الطرف الذى يتحدث عنه من فالسلطة ؛ الطرف الثالث بالنسبة لى هو من يعادى الثورة منذ اليوم الأول وسعى لاجهادها ثم اجهاضها وافشال التغيير والتحول الديمقراطى ؛ انه من تضرر من اسقاط النظام ويريد اعادته ولو بوجوه جديدة ؛ انه من يجند البلطجية ويدفعهم لكى يعيثوا فالأرض فسادا وينشروا الخوف والرعب بين البسطاء والعامة ويشوهوا الثورة فى عيون الناس وذلك طبعا بعد فتح السجون واطلاق المجرمين مع بداية اندلاع الثورة ؛ انه من يدعى الرغبة فالتغيير ولكن فى نفس الوقت يلعن سلسفيل أبو الثورة والثوار ويدافع باستماتة عن مبارك وداخليته وحاليا ينافق ويمالئ من كلفهم مبارك بادارة شئون البلاد ( والمثل بيقول اللى كلف مامتش ) ؛ وقد يرى البعض أن الطرف الثالث له امتداد خارجى وهذا شئ وارد ؛ فهناك الكثير من الأطراف الخارجية التى لا تتمنى نجاح الثورة والتغيير الديمقراطى فى مصر وتحوله لنموذج يحتذى به ولذلك فهم يسعوا بطرق مختلفة لافشال الثورة وهدم كيان الدولة لتعم الفوضى

وقد دأب المجلس العسكرى على التحدث عن الأيادى الخفية والأصابع اللولبية فى اطار نظرية الطرف الثالث ولكن دون أن يفصح لنا عن هوية هذا الطرف الثالث أو يظهر لنا الأدلة التى لديه ويقدم الجناة للمحاكمة ؛ فهل هو لا يعرف هذا الطرف الثالث ؟؟؟ هل كل أجهزة الأمن المصرية عاجزه عن حل هذا اللغز ؟؟؟

إذا لم يعلن المجلس العسكرى للرأى العام عن هوية الطرف الثالث ويقدمه للمحاكمة بالأدلة والبراهين القاطعة فإن من المتوقع أن تتكرر تلك الحوادث ويستمر مسلسل الفوضى هذا بالاضافة لانهيار ما تبقى من ثقة بين الشعب والمجلس بل سيعتبر البعض المجلس العسكرى ذاته هو الطرف الثالث أو على الأقل متحالف معه ؛ وهذا ما لا أتمناه أنا شخصيا وكثيرين مثلى

وعلى الجانب الآخر ظهرت على السطح فالآونة الأخيرة محاولات بعض من ينسبون أنفسهم للثورة هدفها جر المسار الثورى للعنف الذى يقود لهدم كيان الدولة ومؤسساتها ؛ وتلك حماقة لا يمكن السكوت عليها ؛ فالغالبية العظمى من المشاكين أو المؤيدين للثورة كان هدفهم اسقاط النظام السياسى وليس اسقاط كيان الدولة المصرية ومن لا يعرف الفرق بينهما عليه ألا يتحدث باسم الثورة أو الشعب حتى لو كان يفعل ذلك بحسن نية ؛ فالطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة ؛ ومن المؤكد أن اسقاط الدولة سيدخلنا فى نفق مظلم لا يعلم نهايته الا الله ؛ وهذا ما لا يريده أى مواطن عاقل بيحب البلد دى

فالنهاية أدعو الله أن يهدينا جميعا للاستفادة من أخطائنا فى 2011 ليكون عام 2012 هو عام الحسم