الخميس، 17 مايو 2012

كـلمــــــة أخيــــــــرة للتاريـــــخ


                     من هو الرئيس الأمثل لمصر ؟؟؟

 أعتقد أن هذا السؤال هو سؤال الساعة فى مصر والاجابة عليه محل نقاش واسع ؛ فى الشوارع والطرقات ؛ على المقاهى والمنتديات وغرف الشات ومواقع التواصل الاجتماعى ، وكل منا له تصوره و رؤيته الخاصة فى مواصفات المرشح الأمثل ؛ فهل حسمت اختيارك ياعزيزى ؟؟؟ ان كنت لم تحسم رأيك بعد فلا تقلق لأن كثير من المصريين مثلك لم يحسموا آراءهم أيضا ، لذلك قررت أن أشترك معك فى "مراجعة نهائية" ولكن دعنا أولا نتفق معا على بعض البديهيات ...

 أولا :- الرئيس القادم أياً كان لن يستطيع أن يحكم مصر بنفس الآليات والمعادلات التى كانت سائدة فى عهد مبارك ؛ ومن يتخيل أن هناك أحد يستطيع إعادة انتاج نظام مبارك فهو واهم حتى لو كان الرئيس القادم ممن يطلق عليهم "الفلول" ... لأن الأوضاع والحقائق على الأرض كلها تؤكد أن ذلك أصبح مستحيلا ، وعندما أرى بعض مؤيدى الفريق شفيق يتوسمون فيه أن يعيد الأوضاع لما كانت عليه قبل الثورة أصاب بدهشة كبيرة لأنهم باعتقادهم هذا يظلمون الرجل فهو لا يستطيع تحقيق ذلك فضلا عن كونه يريد ذلك أم لا يريده أصلا ...    

 ثانيا :- الرئيس القادم ستكون أمامه تحديات لا حصر لها وسيكون أقصى ما يستطيع تحقيقه فى فترة رئاسته الأولى هو أن يحقق الأمن والاستقرار السياسى ويعيد ترتيب البيت من الداخل وأن يضع البلد على أول طريق النهضة ؛ هذا هو أقصى ما يمكن انجازه فى أربع سنوات ، لذلك لا يجب أن نحمل أى مرشح فوق طاقته ؛ وإذا إدعى أحد المرشحين أنه قادر على تحقيق "النهضة" خلال رئاسته الأولى ففالغالب هذا المرشح لا يعى ما يقول ، أو من الآخر "بـيـهـجــص" ...

 ثالثا :- مصلحة مصر حاليا – كما أراها – هى ألا يكون الرئيس القادم إخونى ؛ وألا يكون لديه مشاكل مباشرة مع المجلس العسكرى أو مع التيارات السياسية بما فيها الاخوان ... طبعا أعلم أن كلامى هذا قد لا يعجب البعض ؛ فإخواننا "الثوار" سيعترضوا على جملة ( ألا يكون لديه مشاكل مباشرة مع المجلس العسكرى) وإخواننا "الفلول" سيعترضوا على جملة ( ألا يكون لديه مشاكل مباشرة مع التيارات السياسية بما فيها الاخوان) وإخواننا فى جماعة الاخوان المسلمين سيعترضوا على جملة (ألا يكون الرئيس القادم إخونى) ... عموما تلك هى رؤيتى الخاصة التى أعتقد أنها الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار السياسى و وضع البلد على مسار النهضة والتطور ...

 رابعا :- سيكون من الصعب جدا – إن لم يكن من المستحيل – التلاعب فى الانتخابات أو تزييفها "بشكل ممنهج" ولو حدث ذلك - لا قدر الله – ستكون كارثة وسيفتضح أمر المتلاعبين أو المزيفين أسرع مما يتخيلوا ...

 خامسا :- الانتخابات لا تأتى دائما بالأفضل ؛ خاصة لو كانت الديمقراطية حديثة العهد ، فلا تتخيل أنه إذا أتيحت الفرصة – لأول مرة - لشعب معين كى يختار حاكمه سيكون إختياره سليما وحكيما فى تجربته الأولى ؛ بل الحقيقة التى أراها بديهية هى أن الديمقراطية تحتاج للممارسة ؛ ولن تنضبط إختيارات الشعب إلا بعد أن يجرب مرة أو مرتان على الأقل ، لذلك من الضرورى أن تستمر التجربة الديمقراطية حتى تنضج وتترسخ وتطور من نفسها ، مع ملاحظة أننا نستطيع التقليل من سلبيات التجربة الأولى إذا لجأت مصر لصيغة "دولة المؤسسات" حيث لا تطلَق يد الرئيس بشكل كامل فيفعل ما يشاء ويقود البلد فى الاتجاه الذى يحلو له ...

 سادسا :- يوجد تشتيت كبير فى الأصوات بحيث أصبح واضحا أن نتيجة الانتخابات لن تحسم من الجولة الأولى و هذا يفرض علينا أن نراعى ترتيبات مرحلة الاعادة ، فعلى سبيل المثال هناك مرشح قد يتمكن من حصد عدد من الأصوات فى المرحلة الأولى يكفى لتصعيده لمرحلة الاعادة - أو حتى الحصول على المركز الأول - لكنه لا يستطيع التفوق على خصمه فى مرحلة الاعادة لأنه قد لا يتمكن من إجتذاب معظم الأصوات التى ذهبت للمرشحين الآخرين الذين سيخرجوا من المرحلة الأولى ، وهناك مرشح آخر تكون العقبة أمامه هى المرحلة الأولى فإذا تمكن من الوصول لمرحلة الاعادة يستطيع بسهولة تجميع الكتل التصويتية التى أعطت للمرشحين الذين سيخرجوا من السباق فى المرحلة الأولى ؛ وبذلك يتفوق على خصمه فى النهاية حتى لو كان هذا الخصم قد تفوق عليه فى نتيجة المرحلة الأولى ، وبناءاً على ذلك يجب أن نراعى تلك الفرضيات ونحن نختار مرشحنا ...

 سابعا :- لا يصح لأى منا أن يختار مرشحه على خلفية "اللى عاوزينه هايجبوه" أو "فلان هو مرشح الجيش والمجلس العسكرى" أو "هـمـــا هايجيبوا فلان" أو "النتيجة محسومة لفلان" ... أتمنى أن نعى جميعا قيمة وقدر اللحظة التاريخية التى نمر بها وأن كل الشواهد تؤكد صعوبة - أو حتى استحالة - توقع نتائج الانتخابات قبل اجرائها ؛ وأننا لا نستطيع القول بكل ثقة بأن "فلان" سيحظى بدعم حقيقى من المجلس العسكرى سواء كان هذا الدعم فى العلن أو فى الخفاء ؛ حتى لو كان هذا "الفلان" هو الفريق "شفيق" نفسه ؛ فنحن لا نستطيع التأكيد على أن المجلس العسكرى سيدعمه بكل امكاناته و سيعمل على إيصاله لقصر الرئاسة ، لهذا علينا أن نصوت وفى أذهاننا قناعات تختلف عن قناعات عصر "الظلام المباركى" الذى تلوثت فيه عقول المصريين بداء الخنوع والتفريط فى مواجهة الاستبداد السياسى ، ولتكن قناعتنا بأن تلك هى أول انتخابات فى تاريخنا لا نعلم نتيجتها مسبقاً ، وأن الخيار "لنـا" وليس "لهـم" أياً كان هؤلاء الـ"هـم" وحتى لو كان اختيارنا مطابق لاختيار هؤلاء الـ"هـم" ؛ فى النهاية صوتك هو الفيصل ...

 ثامنا :- من الضرورى أن نستوعب المرحلة السياسية التى نمر بها ؛ وتحديدا فيما يخص التطور الحتمى لمنظومة الحكم و بنيان الدولة بشكل عام ، فمصر قد مرت بمراحل سياسية عديدة حيث تحولت من النظام الملكى إلى النظام الجمهورى الذى يطغى عليه الطابع "الشمولى" فكان الرئيس يفرض رؤيته على شكل النظام السياسى فى إطار من إحتكار السلطة وحكم الفرد وهيمنة المؤسسة العسكرية صاحبة شرعية ثورة يوليو ، وأعتقد أن التجربة أكدت لنا أن تلك الصيغة غير قابلة للاستمرار وأن التغيير فى الشكل والمضمون قادم لا محالة ؛ المهم أن ندقق فى فلسفة وهوية هذا التغيير ؛ وأن نكون على إلمام بمزايا وعيوب كل نظام من أنظمة الحكم مع فهم عميق لأوضاعنا ... إن مصر أمام فرصة تاريخية ومفترق طرق ، والتاريخ يخبرنا بأن التقدم يمكن أن يتحقق فى ظل نظام ديمقراطى أو غير ديمقراطى ، فلدينا أمثلة لتقدم مع ديمقراطية ؛ وأمثلة ثانية لتقدم بدون ديمقراطية ؛ وأمثلة ثالثة بدون تقدم و بدون ديمقراطية مثلما كان نظام مبارك الذى لو كان قد أعطانا تقدم بدون ديمقراطية لما أصبح مبارك أول رئيس ينجح المصريون فى خلعه ... الخلاصة أنه قد حان الوقت لأن نطالب بالتقدم والديمقراطية جنباً إلى جنب ؛ والفرصة مازالت سانحة رغم كل تعثراتنا منذ أن خرج علينا اللواء عمر سليمان ليعلن تنحى مبارك ونهاية حقبة سوداء من تاريخ مصر سيقف المؤرخون أمامها طويلا عاجزين عن استيعاب السر وراء بقاء رئيس بعقلية وامكانيات مبارك فى سدة الحكم لثلاثة عقود ؛ وهى مدة أطول من فترة حكم الثلاث رؤساء الذين سبقوه منذ أن أصبح حاكم مصر يسمى "رئيسا" ...

 تاسعا :- كل المصريين يتطلعون لمستقبل أفضل ؛ وعندما طالبنا بالتغيير و بشرنا به لم نكن نتحدث عن شئ خيالى يمكن أن يحدث بضغطة ذر ؛ لقد كنا نعى تماما أن التغيير الذى نبتغيه ليس بالشئ الهين الذى يمكن أن يحدث بين ليلة وضحاها ولم نقل أبداً أن تغيير الرئيس أو النظام بأكمله سيحل كل مشاكلنا ؛ بل كنا نؤمن أن الاطاحة بنظام مبارك وبناء نظام جديد ليس إلا مجرد خطوة على طريق التغيير ، لكننا للأسف قوبلنا بحملة قاسية من السخرية والتشويه شنها علينا مجموعة من شياطين الإنس حيث اتهمونا بالجهل والفوضوية إلخ ؛ وبعد قليل من التدقيق وجدنا أن تلك الحملة يقودها أنصار نظام مبارك "الفاسد" ويشارك فيها بعض المغرر بهم ممن تلوثت عقولهم بشوائب عصر مبارك الظلامى ؛ وبمجرد الاطاحة بمبارك سعينا لتغيير فكر هؤلاء وكان تركيزنا على من غرر بهم وليس على "أبناء مبارك" لأن تلك الفئة ميئوس منها فمصالحهم الشخصية هى المحرك الأساسى لهم ؛ وسعينا لمصالحة مجتمعية واسعة لكن شياطين الإنس سعت بكل قوة لافشال ذلك بكل الطرق والوسائل الدنيئة وللأسف الشديد استطاعوا بث الفرقة بيننا ؛ والآن هم يستعدون للاجهاز على الثورة ، لكن هذا لن يحدث ان شاء الله ؛ وأقوى سلاح نستطيع أن نقهرهم به هو التصالح والتضامن والاتحاد ، ولذلك يجب علينا جميعا أن نختار مرشحا تصالحيا يستطيع أن يجمع كل الفرقاء وأن يكون الحكم العادل ؛ لأننا ببساطة لا نريد رئيسا تشتعل البلد بمجرد إستلامه للسلطة ...

 عاشرا :- المصداقية هى أهم الوسائل الضرورية لإعادة الثقة المفقودة بين الشعب والسلطة ؛ لذلك يجب علينا أن نختار رئيسا يتمتع بالمصداقية وقادر على بناء الثقة لأننا فى الحقيقة نحتاج تلك الثقة بشدة حتى يحظى النظام الجديد بالدعم الشعبى اللازم لتحقيق الانجازات واستئصال الأورام الخبيثة المنتشرة فى جسد الوطن ...

 أخيرا .. بالنسبة لبعض الصفات الواجب توافرها فى مرشحنا للرئاسة مثل قوة الشخصية والحنكة السياسية والإلمام بأوضاع البلد والرؤية العميقة والبرنامج الإنتخابى المناسب و إلخ ؛ هى من الأمور المفروغ منها لذلك لم أتطرق إليها ...

 الآن جاء دورك يا عزيزى والخيار أصبح لك ؛ ولك وحدك ... ولا تحاول أن تسألنى عن خيارى ؛ ولا تظن أننى سأطلب منك أن تصوت لأحد المرشحين فأنا لا أروج لأشخاص وإنما أروج لأفكار وقد طرحت عليك أفكارى فإن إقتنعت بها ما عليك إلا أن تراجع كل المعلومات المتاحة عن المرشحين وتختار من تنطبق عليه تلك المواصفات والأقرب لتلك الأفكار ؛ والقرار أولاً وأخيراً لـــك ...

 أتمنى أن تنجح التجربة فهذا هو الأهم أياً كانت النتائج ؛ و أود أن أوجه كلمة لكل من يهاجموا الثورة بشراسة ولأصحاب نظريات المؤامرة ، لولا الثورة لما شهدنا هذا الحدث التاريخى ولما أتيحت لكم الفرصة لتأييد أحد المرشحين ؛ وأياً كان من ستختارونه فأعتقد أنه أفضل بكثير من "جمال مبارك" الذى لولا الثورة لكان الآن رئيسا لمصر ، وإذا كانت الثورة مؤامرة – كما تدعون – وقد أتاحت لنا تلك المؤامرة أن نختار رئيسنا فمرحبا بالمؤامرات ... فإتقوا الله إن كنتم مؤمنين ...

 إلى مصر منبع الحضارة أهدى كلماتى وآمالى ، وعلى رؤوس من أشقاها وأشقانا أصب اللعنات ؛ من أشقاها ومنعها من التقدم خطوة واحدة للأمام وسعى فى خرابها ثم أراد أن يورث الخرابة لإبن أمه خايب الرجا ؛ وعلى أوثان المعبد وسدنته وكهانه وعلى بقاياهم فى الجحور العفنة المظلمة الذين يسعون من وراء حجاب لترميم المعبد واهدار دماء الشهداء .. إلى مزبلة التاريخ جميعا أيها الأشقياء .. ولتتبعكم اللعنات ...

 اللهم ارحم شهداءنا الذين قدموا دماءهم قرباناً للحرية ؛ واخسف الأرض بالظلمة والطغاة وأنصارهم .....





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق